لن أضيف جديدا حين أقول مراجعا إن (هوجة) الرواية الحديثة في المملكة، إنما كانت تمثل دورة اكتمال الحلقة لإرهاصات تخلقت في العشرية الثامنة من القرن العشرين، عبر تجارب عبد العزيز مشري ورجاء عالم وأحمد الدويحي وعبد العزيز الصقعبي، وكان معهم المخضرم المنتمي لجيل البدايات المبكرة إبراهيم الناصر الحميدان، الذي تميز عن مجايليه بانفتاحه وتواصله مع الأجيال التالية، مصحوبا بفروسية خلق ونبل فنان، وسماحة نفس تنطوي على نقاء. ثم كانت (الرعشة) الأعنف مع مطلع التسعينات، والتي دشنتها (شقة الحرية) لغازي القصيبي.
لا أريد أن أكرر ما بات معروفا لدى غالبية الناس، سواء من المهتمين أو الفضوليين والعابرين وبعض المتلصصين، قدر ما أريد التساؤل عن مدى اقتراب الرؤية التي تقول بأن الظاهرة الروائية في المملكة التي استعرت مع قدوم رعشة تالية؛ ليست أعنف من رعشة التسعينات، لكنها سارت في اتجاهات أكثر حسما، نتجت عن أحداث كونية أشد ضراوة من غزو الكويت وضرب العراق، وما أعقب ذلك من تحولات، جاءت في بعدها الثقافي ممثلة في رواج الشعر الشعبي، وذيوع مجلاته الفائقة الأناقة شكلا، والمختلف حول جوهرها كرؤية ومضامين، وظهور الفضائيات، وصعود نجم برامج التوك شو، وبدء شرارات الانفجار المعلوماتي الذي أحدثته ثورة الاتصالات، مع ظهور الجوال، وتوسع الفضاء بكل ما هو إلكتروني، فكان من الطبيعي أن تقع (الهوجة) كمتنفس تعبيري، ويشار إليها اتكاء على نسبة كبيرة من منتجها، بأنها لا تمثل إلا ظاهرة إعلامية، طبقا لتعبير محمد العباس، الذي هو بالضرورة أحد المشاركين في صناعة هذه الظاهرة وتضخيمها.
وصناعة الظاهرة تسم الإعلام الآن، ودونكم الميادين، تجدوا في كل زاوية شكلا من أشكال هذه الظاهرة. تتنوع وتتفاوت معنى وغنى وخواء وسلوكا ومنهجا ورؤى وعمرا، فمنها ما هو عابر، ومنها ما هو قادر على البقاء أطول وقت، لكن في النهاية، كلها يجمعها مصير التلاشي حد الفناء، بحسب بعض التاريخ وبعض النقدات غير المضللة.
الزمن لم يثبت حدس وتنبؤات النقاد حيال كثير من الموهوبين الذين تنضغط إمكاناتهم في زاوية صغيرة ملمومة على الذات والنزعات الشخصية، التي غالبا ما تقترن ببهجات الحياة، وإغراءتها، ما يسرع في شحوب الموهبة حد الهزال، فلا يتبقى منها إلا ما هو متكيف مع إدارة لعبة تحقيق تلك النزعات.
أحيانا ينطلق صاحب الفكرة من نقطة، يحول ارتباط اسمه بحلقتها دون أن يذهب بعيدا، لأن موضوعيته ستقل، كي لا أقول نزاهته، فيتوجب عليه أن يكتفي بقليل الأسئلة، ويصمت.. على نحو ما أفعل الآن. أصمت.