إن المتابع للنتاج الفكري والأكاديمي المتميز للجامعة الإسلامية هذه الأيام قد يدرك المحرك الأساسي لما سأكتبه اليوم، فهي اليوم ـ ومن وجهة نظري ـ ليست فقط الأولى محليا ولا إقليميا، بل الأولى على المستوى العالمي من حيث التوجه لتدريس الطلبة الوافدين من العالم الإسلامي، إضافة إلى أنها توجهت مؤخرا لتدريس العلوم التجريبية التطبيقية، ومكنت الطالب في هذه الكليات من الحصول على دبلوم الدعوة، ليعود الخريج إلى بلده يحمل مهنة إلى جانب رسالة الدعوة إلى الله سبحانه، كما أن هذه الجامعة تتطلع إلى توفير أكثر من 4000 منحة لأبناء العالم الإسلامي والأقليات المسلمة في أرجاء العالم، ولأكثر من 165 جنسية من الدول الإسلامية، ولذا أعتقد أن القارئ سيفهم مطالبتي التي تتمحور حول إنشاء "الجامعة الإسلامية" أقساما للطالبات تدرس من خلالها المسلمات الوافدات من العالم الإسلامي، فنحن في عصر يوجه اهتمامه لإعطاء المرأة المزيد من الفرص، سواء اتفقت مع طبيعتها أم لا، وهو يسعى صراحة لإخراجها من الموروث الثقافي بغض النظر عن مصدره، ولذا نجده يوجه سهامه للمجتمعات المسلمة ولنساء هذه المجتمعات، ولأننا جزء من هذا العالم أجد أنه من المناسب أن نمهد الطريق لإعداد كوادر نسائية قيادية في العالم الإسلامي تدرس العلوم الشرعية واللغة العربية وغيرها من العلوم النظرية كالحاسب على سبيل المثال في جامعة كالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وقد يقال إن جامعات سعودية أخرى تؤدي الغرض وتدرس هذه الفئة وتختصهم بالرعاية.. فأجيب أن الحق كل الحق فيما قيل، إلا أن سياسة "الجامعة الإسلامية" وأهدافها تجعلها متفردة في مجالها هذا، فالطالب فيها لا يخرج فقيها أو محدثا فقط بل يخرج رجلا مفوها بليغا، فهي تخرج قادة لهم علم شرعي، قادرين على خدمة دينهم وأوطانهم، وغني عن البيان أن الكثير من خريجي الجامعة الإسلامية كانوا ممسكين بزمام السياسة في بلادهم، ومن هنا أعتقد أنه يحق لي المطالبة بفتح المجال للمرأة لتتلقى التعليم الشرعي على يد أساتذة "الجامعة الإسلامية" وتحت مظلة وسياسة أكاديمية أثبتت جدارتها، خاصة في السنوات القليلة الماضية.
وإذا أراد القارئ الفاضل الوقوف على هذا التميز فعليه البحث في نوافذ الإنترنت عن الأنشطة الثقافية التي تدار من خلال هذه الجامعة والتي تحمل مداخلات للحضور، إذ سيجد دون شك ما يثير الانبهار، فهناك من أتى من القارة الأفريقية ليتحدث مرتجلا باللغة العربية وكأنه ولد عربيا، وسيجد طالبا أميركيا وجد غايته في الإسلام فأسلم ثم التحق بالجامعة الإسلامية، وهناك الطالب الذي أصبح رئيسا للوزراء وجاء للجامعة متحدثا ومحاضرا، وهناك الأستاذ الجامعي الذي أسس جامعة إسلامية في بلاده اكتسبت شهرة عالمية...إلخ
وأنا هنا أوجه استفساري لمعالي الدكتور "محمد بن علي العقلا" مدير الجامعة الإسلامية، الذي أعلن في مناسبات عدة عن صدور موافقة المقام السامي لافتتاح الجامعة لفرع نسائي، وأنه بناء على ذلك جرى التنسيق مع الجهات ذات العلاقة لإنشاء مدينة جامعية للطالبات، ولإعداد دراسة متكاملة لاستحداثها وتوفير مقر خاص مناسب لها.. فأين انتهت هذه الدراسة التي أشرف عليها معالي الدكتور محمد العقلا الذي عرف بوفائه لعهده، وبنشاطه، وبتقديره واحترامه للمرأة؟
كما أطالب معالي الدكتور "خالد بن محمد العنقري" وزير التعليم العالي، بدعم هذا التوجه ومتابعته، وهو الذي عرف بدعمه للمشاريع التي من شأنها دعم التعليم العالي، فكما وقف بثبات أمام الرافضين لفتح كليات نظرية علمية في الجامعة مصرحا منذ فترة غير بعيدة أن الوزارة وافقت على إنشاء ثلاث كليات في "الجامعة الإسلامية" بالمدينة المنورة هي: كلية العلوم، وكلية الحاسب الآلي ونظم المعلومات، وكلية الهندسة؛ فأنا أطالب معاليه، كغيري، بدعم توجه الجامعة لفتح فرع نسائي صغير كخطوة أولى، وهو القادر ـ بحول الله ـ على تحويل الحلم حقيقة، خاصة أن موافقة المقام السامي ستمكن الوزارة من الحصول على ميزانية تسهل تنفيذ البنية الأساسية للمقر والتجهيزات الإلكترونية.
الداعم الأساسي لمطالبتي هو أن "الجامعة الإسلامية" هي إسلامية في سياستها وتوجهها. والإسلام لم يقصِ المرأة ولم يبعدها، فقد كانت المرأة المسلمة صحابية وراوية للحديث وفقيهة ومحدثة، ولم يمنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، بل وجه المسلمين لأخذ دينهم عن امرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما أن كثيرا من الأئمة والعلماء تتلمذوا على يد نساء فقيهات مثل الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ الذي تتلمذ على يد نفيسة بنت الحسن، كما تتلمذ غيره من الأئمة والعلماء على يد فقيهات.
وأنا.. وإن كنت لا أجد ضرورة لتدريس النساء للرجال في عصرنا الحالي، فعلماؤنا الرجال بحمد الله كثر، وهم على درجة عالية من العلم والفقه الشرعي، إلا أني أتطلع لإعداد فقيهات يعلمن النساء، وطبيبات يعرفن الحلال والحرام، ومتخصصات في كافة المجالات لديهن العلم الشرعي، وهو طلب قد يتحقق في جامعة "أم القرى" وفي جامعة "الإمام محمد بن سعود الإسلامية" إلا أن ذلك لا يمنع من الإقرار أن في "الجامعة الإسلامية" مذاقا مختلفا وأثرا مميزا، وأتمنى أن تتمكن النساء المسلمات الوافدات من العالم الإسلامي المتطلعات لدراسة العلم الشرعي والنظري من الدراسة في "الجامعة الإسلامية"، وأتمنى أن يكون أثرهن في بلادهن طيبا كأثر طلاب الجامعة.