روعة التهامي.. تملك نظرةً طفولية بسبغة إنسانية وكلمات بينة.. ملأت مستقبل فقراء الوطن رحمةً، وقبلها، فكراً ومنطقاً. أبرزت صوتها نحو مجتمعنا مطالبةً بتوعية اجتماعية وحقوقية نحو الفقر بكل أشكاله، وبعد أن تحسست الجرح لامست ألمه وعادت إلى جزء من وجوده لدى الجهات الخيرية والرسمية التي لن تكفي لإنهاء مشكلته. دافعت عن قرنائها الفقراء ومدى التأثير عليهم كبشر محتاجين أكثر من جانب صحي ونفسي.. مقترحة حلولاً كتدريب الفقراء وتعليمهم وتخفيض رسوم الكهرباء والماء عنهم أو إلغائها.

انبرى بعدها (عبدالرحمن المحضار) مناقشاً مشكلة البطالة في المملكة، مفصحاً أن 39 % من نسبة البطالة في المملكة تتراوح من عمر 20- 24 سنة، معللاً بأن من أسباب البطالة غياب مؤسسات المجتمع المدني.. أما (ضحى عامر) فكانت مشغولةً بقضية التعليم المطور وبإيجابياته وسلبياته تحليلاً واستنتاجاً، وبمنهجية العلماء توصلت إلى الحلول التي لم يصل إليها ميداننا التربوي العتيق! انطلق بعدها (حسان العطاس) متحدثاً عن قضية غلاء السكن وبيّن أن 70% من المواطنين يسكنون بالإيجار، وقارن بين دخل الفرد الواحد وبين متوسط الإيجارات، وأن الشاب السعودي لن يستطيع تملك مسكن إلا إذا زاد مرتبه عن 15 ألف ريال شهريًا. واختتمت (سدى الشيشاني) الأوراق بروح العمل النابض بالعدل الإنساني عن قضية حضانة الأطفال بعد طلاق الزوجين.

انتهى المؤتمر بتوصيات، أهمها أن يتم تأهيل الفقراء من قبل المؤسسات والشركات، وأن تقوم وزارة التعليم بتكوين لجنة مستقلة من معلمين وطلاب يشرفون على تطوير المناهج، لا مجرد تطوير المقررات، بالإضافة إلى تفعيل مادة التربية الوطنية. وأيضا تشكيل لجنة من القضاة تشرف على تأهيل القضاة، وتتأكد من أن الأحكام صالحة للمحكوم وأن تعمل وزارة العمل على التخطيط والتواصل مع التعليم لتتأكد من أن مخرجات التعليم تتناسب مع المطلوب.

تلك المشاهد المدنية الأنيقة بحضور 1000 شخصية مهتمة من أولياء أمور ومسؤولين ناقشها مؤتمر غراس الثاني "قضايا تحت شعار وطن" الذي أعده وأداره ونفذه أطفال سعوديون لم تتجاوز أعمارهم 15 سنة، تحدثوا فيه بطريقة مماثلة لما يطرح في المؤتمرات العلمية، شكلوا ورش عمل وحوارات متنوعة، قدموا أوراق عمل أفصحوا فيها عن أحلامهم ومخاوفهم دون إملاءات أو تحفظات بكل ثقة وشجاعة حول نظرتهم نحو وطنهم ومستقبله، آخذين بأيدي الكبار الذين همشوهم ولم يمنحوهم الفرصة للتعبير عن رأيهم فنثروا إبداع حوار الأجيال في مؤتمر طفولي سعودي!

كان ذلك الإبداع العقلاني التربوي المتوهج سابراً لأغوار جوانب أعرضت عنها وقصرت فيها مدارسنا ومجتمعنا في ترسيخ ثقافة المشاركة في صنع الواقع والاستماع والحوار والتعبير لدى أطفالنا، فكان النتاج عملاً قيمياً أصيلاً، وتربوياً عميقاً غرست فيه (غراس) الثقة المطلقة، فزرعت تقدير الذات ليتبوأ أطفالنا موقعهم الذي يليق بهم كقيادات نهضة لصناعة الحياة ومستقبل وطن، وحاكى الأطفال فيه قرناءهم في الدول المتقدمة مثل قبة (منظمة أنموذج الأمم المتحدة) United Nations Model التي تقدمها المدارس الأميركية، ومُناظرة لفن (الهايكو) في اليابان، ولبرامج مدارس "فاجاكومبو" في فنلندا، ولميثاق التعليم السنغافوري في إتاحة الفرصة لجميع الطلاب للمشاركة في حوار الوطن ومستقبله.

مؤسِسة فريق غراس التربوي رفاه سحاب تقول: "يجب أن يكون التعليم حراً، وأن أي تعليم جيد يبدأ بالحرية حتى تتم عملية التنمية"، مشيرة إلى أن التعليم أساس عملية التنمية، وهو حياة أو موت المجتمعات. لذلك فأطفالنا السعوديون ينتظرون من المؤسسات التربوية والاجتماعية والإعلامية ترسيخ ثقافة المشاركة في صناعة الواقع، والتعبير عن الرأي والاستماع له، وفتح باب الحوار ومفهومه وسلوكياته في المدرسة والمنزل ليقابله انتشار أفقي في المجتمع ليصبح أسلوباً للحياة ومنهجاً للتعامل بين الطفل ومجتمعه.

ولم يبق سوى شكر فريق (غراس) وجميع القائمين والداعمين لهذه الفكرة الرائدة، مع أمل دعمهم ورعايتهم من قبل مسؤولي التربية والتعليم بإدخال أنشطتهم ونمذجتها داخل المدارس، يقابله دعم مادي منتظر من قبل الشركات والبنوك التي ما زلنا نرجو منها المسؤولية الاجتماعية نحو مثل هذه المبادرات النبيلة. أما إعلامنا فأسفاً.. ما زال مغرداً بتغييب هذا الحدث العظيم الذي انبرت له، مشكورةً، قناة روتانا خليجية بتقديم هذا المؤتمر، وتواجدت فيه بشكل أنيق وتغطية دقيقة، والذي سابقت فيه مؤسسة (غراس) أيضاً بتكريم الإعلامي السعودي المتميز علي العلياني لعطاءاته المستمرة نحو قضايا وطنه، والذي أجزم بأنه أغلى تكريم حصل عليه، لأنه باختصار كان بحجم نقاء وطهر أطفال الوطن.