بشكل عام ثقافة التكريم ضعيفة لدينا، ودائماً نتوقع أن يأتي التكريم من الحكومة فقط، وحتى في الحالات التي كرّم بها أحد، فكثيراً ما حدث ذلك بعد وفاته، وأهم شريحة تواجه ذلك الإهمال هي شريحة العاملين في قطاع التربية والتعليم، وشخصياً تألمت عند وفاة رجلي التعليم، الأستاذين صالح البكر وإبراهيم الحجي، رحمهما الله، لأنه لم يزعج أحد نفسه ليشير إلى فضلهما كل ماقدموه من جهود وتضحيات.
في الأسبوع الماضي، كان لي شرف المشاركة مع الأخوين المهندس سعد المعجل والأستاذ عبد الرحمن مازي في ترتيب حفل تكريم أستاذنا الفاضل عبدالعزيز محمد المنقور، الملحق التعليمي في أميركا خلال الفترة 1961 – 1977، وكانت تجربة جميلة، وأقيم الحفل في جو حميمي طغت عليه أجواء استرجاع ذكريات الدراسة في أميركا تحت إشراف الأستاذ عبدالعزيز المنقور.
ألقيت كلمة الحفل، وكان عنوانها "ما لم يفعله الأستاذ عبدالعزيز!" وهذا العنوان يحتاج إلى شرح، فإليكم ملخص الكلمة:
• خلال عقد الستينات والسبعينات الميلادية، كانت الفوارق الثقافية والاجتماعية بين المجتمعين السعودي والأميركي كبيرة جداً، وقد حدث نتيجة ذلك الاختلاف، قصص ومواقف كثيرة طريفة، منها قصة الطالب الذي اتبع ذات الروتين، وسافر من المملكة إلى بيروت، وذهب إلى متجر عطا الله فريج في شارع الحمراء، واشترى بدلة وبالطو، ولكن في نيويورك جاء من نبهه بأن أناقته ناقصة، لأن ما اعتقد أنه بالطو هو في الواقع روب حمام.. وقس على ذلك!!
ذلك الاختلاف الثقافي والاجتماعي، خلق أيضاً مشكلات لبعض الطلبة، وقد قام الأستاذ عبدالعزيز بحلها بهدوء، ولم ينه بعثة الطلبة ويعيدهم خائبين، بل ستر عليهم، وأتاح لهم فرصة إكمال تعليمهم.
• أيضاً خلال تلك الفترة، وبعد هزيمة حرب 1967، كان الحراك السياسي كبيراً، وانسحب ذلك على الطلبة العرب في أميركا، وانخرط بعض الطلبة السعوديين في منظمة الطلبة العرب، وكان الأستاذ عبدالعزيز يزور تجمعات الطلبة السعوديين، ويذكّرهم بأن وضعهم مختلف، وأن وطنهم مقدم على تنمية اقتصادية وسيحتاجهم كلهم. الأستاذ عبدالعزيز لم ينه بعثاتهم بالرغم من تحصيلهم الدراسي الهزيل، بل ساعدهم على إنهاء دراساتهم، وعادوا، وحققوا الكثير من النجاح.
• أيضاً أنا شهدت خلال كلمتي بأن الأستاذ عبدالعزيز لم يقم هو بتغيير مسمى شيك الملحقية إلى مسمى "شيك المنقور"، وإنما حدث ذلك بسبب أن الطالب السعودي في أميركا كان في المتوسط يفلس بتاريخ 20 من الشهر، وينتظر بكل تلهف الشيك الذي يرسله الأستاذ عبدالعزيز بانتظام قبل نهاية الشهر، وبذلك تكونت تلك العلاقة الحميمية بين الطالب، والأستاذ عبدالعزيز. وختمت بأن ذلك الجيل الذي أشرف على دراسته الأستاذ عبدالعزيز، حقق الكثير من النجاحات على المستويين الاجتماعي والمالي.
هل نطمع بآلية ما، بحيث نكرّم كل من خدم الوطن خلال حياتهم؟ وأهم تلك المجموعات، هم العاملون في قطاع التعليم! وأضعف الإيمان أن تقوم وزارتا التربية والتعليم والتعليم العالي بتسمية مجمعات تعليمية بأسماء أولئك الرواد!