وبكل وضوح، نريد من البيان الأول في أول حادثة تكشفها هيئة مكافحة الفساد أن تكتب الإدارة والمنطقة والمشروع بالخط العريض وأن تفضح كل الأوجه المتخفية خلف ستار هذه الجرائم. نحن لا نريد من هيئة مكافحة الفساد أن تكون في خطوة متأخرة عن اجتهادات الصحافة وأنا هنا أسأل: إذا كانت الأجهزة الطبية الحكومية قد بيعت في وضح النهار وتم تركيبها في المشافي الأهلية الخاصة فلماذا لا تكشف الهيئة عن المكان والزمان ولماذا تنشغل الهيئة الموقرة بملاسنات الكشف الخطير وملابساته مع الوزارة وكل من الجهتين يدعي أنه صاحب السبق في كشف القصة.

وبكل وضوح سأكتب هنا معاني الحديث النبوي الذي يشير إلى زمان يؤتمن فيه الخائن ويخوَّن فيه الأمين. نحن بهذه الطبطبة والمداراة والالتفاف إنما نسابق ذات الزمن المشار إليه في الحديث النبوي وكأننا في سباق لنصل إليه قبل وقته. الذين سرقوا الأجهزة الطبية ثم باعوها إنما حرموا البائس والفقير وصاحب الحاجة من المواطنين أن يتعالج بها وفيها من المال الحكومي العام ليذهب بالدين إلى العلاج تحت ذات الأجهزة في المشفى الخاص. وإذا كانت بيانات هيئة مكافحة الفساد ستبقى رهينة الألغاز والأحاجي وضحية لغة التعميم، فإن على الهيئة العزيزة الموقرة أن تدرك أن الصحافة اليوم والأمس إلى ما قبل عقد من الزمن تنثر هذه الألغاز والتعمية.

نحن، بكل وضوح نريد من الهيئة ألا تكون نسخة مخبأة من الورق الصحفي وإلا فإنها بهذا الأسلوب إنما تصف عبئاً جديداً في ذات الطابور الذي مللنا منه.

نحن نريد من هيئة مكافحة الفساد أن تكون على قدر الإرادة الملكية في الضرب بيد من التشهير ومن الوضوح، ونحن قبل هيئة مكافحة الفساد نعرف تماماً أن الأجهزة الحكومية تباع في الحراج وأن مشاريع الدولة تباع في المستخلصات وفي إضبارات التوقيع، ونحن قبل هيئة مكافحة الفساد نعلم أن المشروع الواحد ينفذ من الباطن على يد المقاول العاشر من تحت، ونحن قبل هيئة مكافحة الفساد نعرف كل شيء عن أي شيء في أي شيء ولكننا لا نعرف اسم الفاعل مثلما نعرف المفعول.

نحن قبل هيئة مكافحة الفساد مجرد جملة مبنية للمجهول يبقى فيها – الفاعل – ضميراً غائباً، فما هو الجديد في بناء الجملة وفي إعرابها الذي نعرفه من قبل؟