لم تشفع قدسية المكان للمدينة المنورة لتكون بمنأى عن موجات الإرهاب، إذ شهدت هي الأخرى خلال السنوات الماضية سلسلة من المواجهات الأمنية في إطار سعي السلطات الأمنية لمكافحة الإرهاب. ولعل المتابع للعمليات الأمنية التي شهدتها المنطقة، يلحظ إستراتيجية عناصر النهج الدموي، الذين كانوا يفضلون الاختباء في المدينة المنورة، باعتبارها مدينة مقدسة لا يمكن أن تكون موطنا لمثل تلك التجمعات والتشكيلات الإرهابية. فعقب تفجيرات الرياض عام 2003 قبضت سلطات الأمن في المدينة على وافد عربي حين حاول تهريب ما يربو على 60 كيلو جراما من المواد المركبة التي تستخدم في إعداد المتفجرات، ولم يدم الأمر طويلا حتى تمكنت سلطات الأمن من القبض على رأسي التنظير الجهادي، وهما أحمد الخالدي، وعلي الخضير اللذان أبديا تأييدهما حينذاك للأحداث الدامية التي وقعت في ثلاثة مجمعات سكنية بالرياض، إذ تمكنت القوى الأمنية من القبض عليهما في إحدى الفلل السكنية في الإسكان العام، ووجد بحوزتهما أسلحة وأعيرة نارية حية ومتفجرات. وما لبثت الأجهزة الأمنية أن أحكمت قبضتها على 3 أشخاص في أحد مقاهي الإنترنت قبالة دوار القبلتين، وهم سعد الغامدي، وعبدالعزيز الفهيد (سعوديان)، في حين قبض على شريك ثالث لهما يدعى محمد كرام (مغربي)، لتشهد المدينة بعدها عددا من الجولات الأمنية التي انتهت بالقبض على جملة لا يستهان بها من المنخرطين في صفوف الفئة الضالة، أو المنظرين لهم وبحوزتهم أسلحة ومنشورات تحريضية.

وأعقب ذلك فترة عادت فيها الأوضاع لطبيعتها في المدينة وذلك قبل أن يعلن عن القبض على المطلوب عبد المنعم علي محفوظ الغامدي بعد مطاردة مضنية في طريق الهجرة السريع، حيث استوقفه رجال الأمن وبرفقته ثلاث نساء هن العيادة أحمد محمد الصياد، وحنان عبدالله رقيب (مغربيتان)، وغيداء أحمد محمد سويدة، تلا ذلك القبض على محمد سعيد آل صيام العمري المطلوب العاشر ضمن قائمة المطلوبين الـ 36 بعد أن أبلغ عنه عدد من المواطنين بعد الاشتباه فيه ليتم بعد القبض عليه إبطال قنبلة كانت بحوزته حينها. وبدا أن القبض على العمري كان مفتاحا لكثير من العمليات الأمنية التي قادتها الأجهزة الأمنية، حيث سجلت الأجهزة الأمنية ضربة موجعة لتنظيم القاعدة في 18 أغسطس عام 2005 وذلك بإعلان مقتل المطلوب البارز صالح العوفي الذي رجح حينها أن يكون قائد تنظيم القاعدة بعد مواجهة عنيفة انتهت بمقتله هو والمدعو محمد عويضة، وهو إمام دأب على تقدم المصلين في أحد المساجد في حي البحر، ليتم في ثنايا العملية القبض على 10 آخرين من ذات التنظيم، ليسود الهدوء لفترة لم تتجاوز العامين وذلك قبل أن تعلن وزارة الداخلية مقتل أربعة من الرعايا الفرنسيين في وادي بواط في 26 من فبراير 2007 أثناء توقفهم في إحدى المناطق البعيدة عن الطريق العام، حيث كانوا في طريقهم إلى مكة المكرمة لأداء العمرة.

وأشارت الترجيحات حينها بشكل أو بآخر إلى مسؤولية المطلوب الأمني وليد الردادي عن الحادثة، وهو ما أكدته وزارة الداخلية في وقت لاحق بشراكة اثنين معه، ليأتي بعدها إعلان مقتل المطلوب أمنياً وليد مطلق سالم الردادي في 6 أبريل 2007 ، بعد مواجهات استمرت لوقت طويل منذ منتصف الليل وحتى صبيحة اليوم التالي والتي تم خلالها تبادل كثيف لإطلاق النار، انتهت بمقتل الردادي الذي كان يتحصن في بناية سكنية في حي العيون شمال وسط المدينة المنورة، لتكشف عمليات التفتيش حينها عن رصد أحد الأسلحة التي تطابقت والأظرف الفارغة التي حرزت حول الضحايا الفرنسيين، فضلا عن جهاز محمول وعدد من الهواتف النقالة.

وبدا حينها أن الردادي كان في غاية الدقة والحرص حين اختار المسكن الذي كان يقطنه والذي تعود ملكيته إلى جده لاعتبارات عدة، منها كون كافة ساكني البناية من جنسيات آسيوية، فضلا عن كون المناطق المجاورة للبناية عبارة عن ورش للحدادة، والخراطة ويتقاطع المسكن الذي كان يختبئ فيه الردادي مع الطريق الدائري الثاني، وهو ما يسهل عليه الاتجاه صوب الخيمة التي كان يتردد عليها في منطقة بواط، ليتوالى عقب ذلك سقوط كل من ماجد معيض الحربي في جنوب حائل في منتصف 2007 ، يليه ناصر لطيف البلوي الذي ألقي عليه القبض في مدينة الجوف بعد شهرين من القبض على الأول.

وفي 14 أكتوبر من العام ذاته قبضت سلطات الأمن على المطلوب محمد ساير المحمدي في أحد الجبال الوعرة في منطقة شجوى (80 كيلو مترا شمال المدينة المنورة) بعد مطاردة مضنية، وذلك قبل أن تتعرض السيارة التي كان يستقلها المحمدي لعطل فني، ليمضي بعدها في الهرب بعد أن ترجل من مركبته حيث قبض عليه وهو منهك من التعب.

وتأتي عملية القبض على المحمدي بعد ورود معلومات تشير إلى وجوده في المنطقة التي ألقي فيها القبض عليه في حين كانت الأجهزة الأمنية مرابطة على مدى 5 أيام في عدد من المناطق المتاخمة لشجوى بحثا عنه.