الباحث في قاموس الشتائم ربما لن يجد كلمة واحدة لم يتم استخدامها في حق المثقفين والإعلاميين السعوديين في السنوات الأخيرة، وذلك في ردة فعل على بعض ما يحدث في المجتمع السعودي حتى لو لم يكونوا سببا مباشرا في حدوثه. يحدث ذلك لكونهم الحلقة الأضعف، فلحومهم حلال وأعراضهم مستباحة، فهم أعداء الفضيلة وعبّاد الرذيلة، ودعاة السفور، وغيرها من المفردات التي تصدر من أشخاص يعتقدون أنهم يستطيعون إيقاف عجلة الزمن وتثبيت محرك التغير الاجتماعي من خلال الهجوم المتواصل على بعض الإعلاميين والكتّاب، وتحميلهم كل خطيئة واعتبارهم شماعة تعلّق عليها كل المصائب، وتوجيه التهم بأنهم يريدون إفساد المجتمع وتغريبه وأن لديهم مخططات ومؤامرات مع أطراف خارجية، توجيه مثل هذه التهم للآخرين دليل على قلة الحيلة وشعور بخيبة الأمل، فسلاحهم المتبقي هو اللجوء إلى هذه الأساليب في محاولة أخيرة لكسب التعاطف والتغطية على الفشل وفقدان المصداقية.

هؤلاء لا يريدون أن يعترفوا بحقيقة أن المجتمع في حالة تغير مستمر، وأن بضاعتهم المتمثلة في التهييج والإثارة والتلاعب بالألفاظ ونشر الأوهام ورفع الشعارات الفارغة؛ دخلت في مرحلة الكساد، وأن العولمة والانفتاح الكوني والتفاعل بين الحضارات والتقارب مع الشعوب والأمم الأخرى هي سمة العصر، وأن المجتمع السعودي يسير نحو التعايش والتفاعل مع المجتمعات الأخرى دون أن يفقد توازنه وثوابته الدينية والاجتماعية.

هؤلاء يريدون أن يقفوا في وجه المجتمع المتجه نحو الانفتاح، وإذا فشلوا في ذلك هبوا لتوجيه التهم لخصوم وهميين من العلمانيين ودعاة التغريب والمثقفين والليبراليين كما يسمونهم، ويزعمون أن هذا من فعلهم وتخطيطهم.

إنها حركة التغير الذي لا مفر منه وناموس الطبيعة الثابت، فالمجتمعات لن تسير إلى الخلف ولن تبقى ثابتة دون تغيّر، هؤلاء المعترضون على كل شيء يؤرقهم الانفتاح لأنهم يريدون الأفراد والجماعات المكونة للمجتمع أن تبقى تحت عباية الوصاية، وتكون سهلة الانقياد وتستمر في ترديد مقولاتهم دون استعمال للعقل وتحكيم للمنطق، ويحلمون بمجتمع يهمّش التفكير ويعطّل المنطق ويرتفع فيه صوت العاطفة ويغرق أفراده في التقليد الأعمى وتصديق القصص المفبركة التي يجيدون صناعتها.

كلما خسروا معركة مع الزمن بسبب منهجهم البعيد عن يسر وسماحة الدين بحثوا عن شماعة جديدة، واختلقوا أشباحا وأعداء يوجهون إليهم اللوم، وهاجموا المخلصين من أبناء الوطن ووصفوهم بأبشع الأوصاف، واعتبروهم المتهم الأول في كل قضية لأنهم يتحدثون عن الحريات واحترام الأديان والحقوق المدنية ودعم قضايا المرأة، وهي نفس القضايا التي يهتم بها جميع شعوب العالم وتهتم بها المنظمات الدولية، وليس من المعقول أن كل من ناقش هذه القضايا أصبح عميلا وخائنا يعمل ضد وطنه، وأنه يجب على الجميع أن يرفضوا هذه القضايا ويقفوا موقفا عدائيا منها حتى تثبت براءتهم وولاؤهم لوطنهم، فمعظم هذه القضايا تعتبر من القضايا الهامة والساخنة في وقتنا الحاضر، وسوف يستمر الناس في الحديث عنها غير مكترثين بمن يصفهم أنهم بهذا الحديث أصبحوا متآمرين على وطنهم.

جميع معاركهم المزعومة حسمها الزمن بمرور الوقت دون أن يجادلهم بكلمة واحدة، وأصبحت جزءا من الماضي، ورغم كثرتها إلا أنهم لا يتعلمون ويكررون الخطأ في كل مرة، وهم بذلك يفشلون مرتين، يفشلون في قراءة حركة المتجمع ويفشلون في الاعتراف بأخطائهم، ويرتكبون خطيئة جديدة في التعامل مع الخطأ المتكرر عندما يستبيحون أعراض إخوتهم المواطنين وتخوينهم ووصفهم بأبشع الألقاب، وعزاؤنا ولله الحمد في أصحاب السماحة مفتي المملكة وهيئة كبار العلماء وأسلافهم الذين لم يصدر منهم إساءة بحق أحد من المواطنين طول حياتهم، والذين يعدّون مدرسة في احترام الجميع وعدم التشكيك في أحد من المسلمين.

قدر هؤلاء الإعلاميين أن يجدوا أعراضهم وسمعتهم على رؤوس الرماح كل يوم لأنهم كشفوا المنتفعين المتلونين الجاهزين لركوب كل موجة، ونزعوا القناع عن وجوه الفاسدين الذين ليس لهم مبدأ، ولذلك فمن الطبيعي أن يقابل عملهم هذا بردة فعل من قبل هؤلاء، وسوف يدفعون الضريبة، وذنبهم الوحيد أنهم يرفضون الحجر على العقول، ومهتمون بالقضايا الفكرية والاجتماعية المؤثرة في حياة الناس، ويناصرون حقوق الإنسان وحقوق المرأة والحريات المدنية واحترام الأديان والطوائف الأخرى، ويتقبلون الغير ويقفون في وجه العنصرية، ويمقتون أحادية الرأي ويتكلمون عن الإصلاح الذي تتبناه الدولة، ويناقشون معوقاته الاجتماعية والفكرية دون مجاملة لأحد، وسوف يستمر الهجوم عليهم كلما استمروا في الحديث عن هذه القضايا.