حملت لنا الصحافة في شهر محرم وبالتحديد في 13 منه لهذا العام وفي يوم واحد ثلاثة أخبار سارة جداً تتمثل في فوز 7 سعوديات بجوائز "إنتل العربية للعلوم والهندسة"، وفوز أستاذتين سعوديتين من جامعة الملك عبدالعزيز هما البرفسورة ناجية عبدالخالق الزنبقي أستاذة علم الطفيليات في كلية العلوم، والمحاضرة في قسم الأحياء في الجامعة نفسها نهى الزيلعي بميداليتين فضيتين في معرض الكويت الدولي للاختراعات عن اختراع إبرة تشخيص الملاريا وأمراض الدم الأخرى والاختراع الخاص باكتشاف علاج طبيعي لمرض التوكسو بلازما على التوالي.. وشعرت كمواطن سعودي بالفخر والاعتزاز لهذا الوجه المشرق لبلادنا الذي تم تمثيله بهذه الكوادر الوطنية المميزة التي حققت تلك الاختراعات.. وربطت مباشرة بين موضوع هذه الإنجازات المتمثلة في هذه الاختراعات وبين اختراعات تتم في العالم المتقدم أو كما نسميه العالم الأول الذي كان سبب تقدمه هم مثل هذه الفئة المتميزة.

في جامعة MIT وفي جامعات العالم الأول يتم عمل خطوة جديدة وهامة هي الربط بين التخصصات العلمية والهندسة الصناعية.. كتخصص واحد مزدوج تتحول الاختراعات مباشرة بدون بيروقراطية ووفق نظام محدد وسلس إلى صناعات. تجربة جديدة وفريدة وتحقق على أرض الواقع فوائد اقتصادية ملموسة تساهم بشكل فاعل في القضاء على العديد من المشكلات وترتقي بالاقتصاد..عندما يتم عمل بحث تكون نتيجته اختراع جديد يتم منح صاحب البحث الدعم اللازم لتأسيس شركة تساهم في اقتصاد البلاد. أعرف أن هناك خطوات من هذا النوع في بعض جامعاتنا، وبالتحديد في جامعة الملك سعود التي تشكر على هذه المبادرات التي أرجو أن تتوسع فيها، لكننا نريد أن تكون سياسة في طول البلاد وعرضها. لدينا مئات الاختراعات ومئات المخترعين الذين احتفينا واحتفى العالم بإنجازاتهم..ومنحناهم ومنحهم العالم الجوائز والميداليات، ولم نر أن تلك الإنجازات قد تعدت حدود الاحتفاء والفلاشات والابتهاج. أهذا هو الهدف النهائي من هذه الإنجازات؟

تلك الاختراعات لم تساهم في اقتصاد بلادنا وكل شيء لا يحقق قيمة فقيمته= صفر.

والسؤال الكبير المهم هو لماذا لم تتحول اختراعاتنا إلى صناعات ثم بضائع تصدر إلى الآن رغم مرور فترة طويلة عليها، ويقتصر اهتمامنا بها على الاحتفاء بها؟ تريدونني أن أحاول الإجابة على هذا السؤال الصعب؟ سأفعل محاولاً إصابة الحقيقة في كبدها.

الإنجاز الكبير يتطلب ثلاثة أمور:

الأول: المخاطرة بقرارات ومشروعات نوعية كبيرة.

الثاني: المواجهة مع العاملين، حيث القرارات الصعبة والمشروعات الكبيرة تتطلب وقوف جميع العاملين على رؤوس أصابعهم وبعضهم لا يفعل إما لأنه ليس في مستوى هذه القرارات والمشروعات وهذا هو الغالب وإما أنه يريد السكون والدعة، ولهذا فهؤلاء هم أعداء النجاح وأعداء المشروعات الجديدة. ولا بد من مواجهتهم. والمسؤولون تعرضوا ويتعرضون لمثل هذه التجارب ويعرفون تماماً ما أتحدث عنه.

الثالث: تحمل نتيجة الأخطاء والسلبيات لأي مشروع أو مبادرة جديدة التي قد يتم التركيز بالنقد والتجريح أحياناً عليها مما يضع المسؤول في موقف الدفاع وأحياناً المساءلة.

إذاً فنحن أمام مشكلة، قد يكون للمسؤول الحق كل الحق أن يلجأ إلى الدعة والسكون طالما أنه يتوقع أن كثرة النقد ستطيح به.. وطالما أنه يعرف أن المجتمع ينظر إلى نصف الكأس الفارغ.. وطالما أن المنتقدين لا يدركون أن الإنجاز فيه مخاطرة وسلبيات وإخفاقات، وإذا ما تم التركيز عليها.. وتم وضع المسؤول صاحب تلك المبادرات في موقف الدفاع فإننا إما أن نحبطه أو نطيح به.. غير مدركين أن المشروعات الكبيرة تبدأ بنجاح قد لا يتعدى 1% بداية. وإذا لم نتمكن من النظر إلى هذا الجزء الصغير الذي أشبهه ببرعم الشجرة الذي يجب أن نرعاه من الصقيع والبرد والمرض حتى يكون شجرة وارفة الظلال طيبة الأكل، فإننا نعمل بعلم أو بغير علم على اجتثاث هذه الشجرة.

وحلاً لهذا الإشكال ودعماً للعاملين الجادين المنجزين لا بد من وجود نظام يكفل لنا الاستفادة من اختراعاتنا ومخترعينا ونعمل من خلاله على حماية أصحاب المبادرات والمشروعات النوعية.. ونصل من خلال كل ذلك إلى تحويل تلك الاختراعات إلى صناعات تحتضنها مصانع يدفع اليها بأعداد من المواطنين للعمل وتنتج بضائع يتم تصديرها سعياً إلى تنويع مصادر دخلنا.

هذه قضية مهمة تهم بلادنا وترفع اسمها وتعلي من شأنها.. فلم تصل دول العالم الأول إلى ما وصلت إليه إلا بتميز مواطنيها ورعاية إنجازاتهم ووضعها في مكانها الصحيح.. اطردوا هاجس الخوف من رؤوس المسؤولين واسمحوا لهم بمبادرات نوعية وشجعوهم على المخاطرة واسمحوا لهم بهامش كاف من الاخطاء، فالمثل يقول النائم لا يتعثر، وسيكون هناك من هذه المبادرات ما يصل نجاحه إلى الآفاق. لا يعقل أن تبقى اختراعاتنا حبيسة الأدراج والرفوف تكّوم الغبار وفيها تكمن حلول بعض مشكلاتنا المستعصية.. إننا نظلم أنفسنا ونظلم الوطن إذا لم نستفد من صفوة مواطنينا..هؤلاء الصفوة هم من يعول عليهم استمرار رقينا وتقدمنا.. لا يمكن أن يبقى الأمر رهن محاولة هنا أو مبادرة هناك. لدينا من الجادين والمخلصين والمؤهلين من إذا أفسحنا لهم المجال وسمحنا لهم بالخطأ استطعنا بالله ثم بهم أن نستثمر كل إنجاز مبدع في بلادنا. مثل هذه الإنجازات معين ليس كمثله معين. إنه المعين الذي لا ينضب.