أصبحت المجتمعات الإنسانية العالمية مؤخرا تتشارك في العديد من الطقوس والاحتفاليات والمآسي، ومنها الشعور بالإحباط والكآبة والاكتئاب وكل لوازمها، لأسباب ومبررات قد تتشابه أو تتطابق بينهم جميعا، وقد تختلف من مجتمع إلى آخر باختلاف خصوصيات هذا المجتمع أو ذاك، حتى إن البريطانيين اختاروا اليوم السادس عشر من يناير ليكون يوم الكآبة المفضل لديهم، معللين لذلك بأن في هذا التاريخ تتلاشى بهجة أعياد الميلاد وتكثر المديونيات بعد الإنفاق من مدخراتهم على الهدايا والسهرات في ليالي الاحتفالات. ويتلقى البريطانيون الدعم من الجهات المعنية لشعورهم بالكآبة والإحباط، فتنصحهم الدراسات ببعض الممارسات التي تخفف من حدة هذا الشعور، وترشدهم إلى تناول بعض الأطعمة التي تحد من الترسيخ لهذه الحالة حتى لا يصلوا إلى درجة الرغبة في الانتحار. ورد على بالي هذا الموضوع وفكرت بالكتابة عنه بعد أن وصلتني رسالة على الهاتف استلمتها من فتاة تبحث عن عمل منذ خمس عشرة سنة دون جدوى، تبلغني فيها أنها وبناء على كونها تجاوزت الأربعين سنة، ولأنها عانس حتى الآن، ولأن حافز تجاوزها وأهملها بكل احتياجاتها وشمل المتخرجات حديثا، فإنها قررت التفكير بشكل إيجابي، وإنشاء جمعية نسائية على غرار الدول المتقدمة وتسميتها (مكتئبات بلا حدود) تشمل الفتيات اللواتي يعانين من الاكتئاب لأي سبب من الأسباب الآنفة الذكر، لكن هل نحن بحاجة إلى جمعية أخرى نسميها (مكتئبون بلا حدود)؟ أم أن الاكتئاب عندنا خاص بالمرأة؟ وما الأسباب التي تدفع بنا إلى الاكتئاب؟ ماذا لو قررنا اختيار يوم من أيام السنة للاحتفال بالاكتئاب أسوة بالبريطانيين، أي يوم سوف نختار؟ وما الأسباب التي تجعلنا نكتئب؟ ثم ما الجهات التي سوف تقدم لنا الدعم النفسي والمعنوي لعبور وتجاوز هذه الأزمة؟ هل مسببات الاكتئاب عندنا هي نفسها مسببات الاكتئاب عند البريطانيين، نفاد النقود، كثرة المديونيات، الفواتير، ندرة الأيام السعيدة وانقضاؤها بسرعة ثم العودة إلى العمل القاسي الذي لا يرحم، هل هناك مسببات أخرى للاكتئاب عندنا أم أنها أسباب عامة يعاني منها كل الناس في كل مكان في العالم؟ أمر يستحق منا التأمل.