لا أحد يملك الحقيقة كاملة، وإن فعل، فلن يظهرها للجميع. قد يظهر جزء منها، الجزء الذي يخدمه هو فقط، أو يسيء لآخرين. الجزء الذي يساعده في إظهار جزء آخر يبين مدى قوته وتمكنه، ومع مرور الوقت، وحين يعرف الجميع حقيقة كل شيء، يبدأ الإنسان باسترجاع عبارات الإحباط أو الهزيمة.

(ويحسبون كل صيحة عليهم)، آية قرآنية نزلت في المنافقين، لكنها من أكثر العبارات التي تستخدم في الصراعات بين التيارات، وهنا يقوم تيار بتزكية نفسه أنه هو الأتقى والأنقى والأطهر، والآخر هو الخشب المسندة والصيحة عليهم!(الصراخ على قدر الألم).. المشكلة أنه لا يوجد صراخ، ومن يقوم بالصراخ لاحقاً هو من يردد هذه العبارة.

ما يحدث أن السعوديين منشغلون بقضايا جانبية، ولأنها هي الأساس لصنع البطولات، فإننا نفاجأ بشكل ربع سنوي بأبطال (ديجيتال) أو (ورق).. ويقومون بترديد العبارات ذاتها. المسألة باختصار موضوع يتم نقاشه بهدوء، ونتجاوزه لما بعده، إلا أن الكارثة هي في الخنادق الجاهزة. "لا يرمى إلا الشجر المثمر".. أنا بالنسبة لي مؤمن بهذه العبارة وغير مؤمن، لأن ثمر الأشجار منه نجد التوت البري والفراولة والبرتقال، ومنه الزقوم كذلك.

"هل ترضاه لأمك.. لأختك"؟.. هذه أضعف الإيمان، أو حجة الضعيف. لا أحد يرضى الضرر للجميع، سواء أم أو أخت أو حتى ابنة الجيران، لكن هذه العبارة هي قمة الشخصنة في الحوار، وضياع الدليل والمنطق.

الإنسان حر في تصرفاته وسلوكياته، وما دام أنها لا تؤذي الآخرين؛ فهو ليس مجبرا بتعميمها على أحد، قريباً كان أو بعيدا. حين يفاجئك أحد بهذه العبارة، تشعر أنك قمت بفضيحة.. حتى في محل تأنيث محلات الملابس النسائية.. يأتيك أحدهم ويقول: هل ترضى لأختك أن تعمل بائعة في هذه المحلات؟ هنا، أتوقف معكم قليلاً وأمارس رياضة الضحك ثم أقول: نعم، أرضاها أن تكون بائعة بدل أن تكون أمام (عربي) فاتح "أزاريره" يسألها عن المقاسات.. وهنا، وبنفس المنطق، تقع أنت فيما أخطأ فيه وتقول: "هل ترضاها لأختك"؟

عدم قبولنا لبعضنا البعض هو السبب في إفراز هذه العبارات الساذجة، والتي لا يكاد أي حوار أو مناظرة أو حتى جدل إلكتروني يخلو منها.