لم يكن عبدالله عبد الجبار في كتابه ( التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية) مجرد ناقد يقارب ألواناً من الشعر وفق مقاييس محددة ، ولا باحث يسعى إلى تقصي الواقع الأدبي ودراسة واستخلاص ظواهره ، وإنما رائد يرتاد أرضاً بكراً ، ومعلم يسعى إلى تزويد طلابه بالمعرفة فيقدم لهم باقة من الملعومات التي سعى إلى استكشافها بنفسه، ومفكر اجتهد في تفسير الظواهر وفق منهج وجد نفسه مضطراً إلى اختياره حتى يضبط معارفه ويقنن دراسته ، بهذه المقدمة دخل الناقد الأردني الدكتور محمد صالح الشنطي عالم عبد الجبار وهو يقرؤه بعنوان " ( الرائد) ورؤيته الفكرية والتربوية والنقدية " قبل أن يضيف : للوقوف على رؤيته الشاملة عن منظورها التاريخي وسياقها الثقافي لا بد من الاطلاع على مجمل إنتاجه ممثلاً في كتابه " قصة الأدب في الحجاز في العصر الجاهلي" الذي ألفه بالاشتراك مع عبد المنعم خفاجة ، وكتابه ( التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية) .
يكشف عبد الجبار عبر هذه المؤلفات عن وعي حضاري نهضوي يقظ ، بغض النظر عن المضمون المعرفي لهذه الكتابات.
ولعل رؤيته ذات البعد التاريخي أول ما يلفت الانتباه إلى منظوره الفكري ، فمن الواضح اهتمامه بدراسة البيئة الأدبية بالحجاز عبر فهم المكونات الطبيعية والبشرية والحضارية ، وعنايته بفهم السلالات البشرية، وذلك في إطار يوحي بالرغبة في استكشاف العلاقة العضوية بين هذه المكونات وتأثيرها في الإبداع ، وهذا ما دفعه إلى الإطالة في المقدمات التاريخية والجغرافية في كتابه ( التيارات) .
أما عن شخصيته التربوية فقال الشنطي : هي امتداد لموقفه الفكري، وتتمثل في حديثه عن صفات المواطنة التي تتكئ على مقومات ثلاثة ( الدين والانتماء السري وحب الوطن) ، ولكنه لايعالج هذه المسائل المهمة معالجة سطحية تقليدية ، بل يربطها بالشخصية الإنسانية بوصفها كلاً متكاملاً بعصرها وما يتسم به من موضوعية علمية ، مما يومئ إلى حس تنويري حضاري .
بينما قال الدكتور عبد الله مناع : عبد الله عبد الجبار لم يكن في منتهاه ، ولا في مبتداه ، فقد كان فيه شيء آخر إلى جانب هذا المربي ، كان فيه منذ البداية كاتباً إصلاحياً يحمل جمرات الهم ، وأديباً واقعياً يحمل نسمات الحلم، وقد اتخذ من مدرسة الفن للحياة مدرسة له ، نائياً وساخراً من مدرسة الفن للفن ، التي كان ينادي بها برناسية القرن التاسع عشر السائدة. فالكتابة عنده ليست ترفاً أو حلية ، وليست وجاهة أو جاها، بل دعوة ملحة للاصلاح والحق والخير والجمال ، بمختلف أدوات التعبير ووسائله.
لقد سار عبد الجبار على طريق الرواد الأوائل من أمثال الصبان والآشي والعرب والعامودي .
وإذا كانت مسرحية ( العم سحتوت) قد مرت بهدوء رغم حدة إهدائها الذي يقول ( إلى الذين لا يزالون سادرين في الظلام ) فإنها كانت عملاً تجريبياً من قبل كاتبها عبد الجبار لقياس نسب النجاح بين المتلقين ، تمهيداً لعمله المسرحي ( مسرحية الشياطين والخرس) والتي كتب مقدمتها محمد حسن عواد.