بعض الإعلاميين يبحث عن الإثارة، ويحرص على لفت الأنظار، وعلى الحضور في ثنايا أحاديث العامة، وحروف "تغريدات" الأمة؛ فيعمد إلى تصيد مناطق الخلاف الحاد، ويعمل بعقلية "الفسطاطين"، ليجعل المختلفين في مواجهات دائمة، من خلال إحالة الحياة والكلام والتصرفات والأحاديث إلى مواجهة، وكأن كل قضايانا الفكرية والمجتمعية تتمحور حول الصراع بين طرفين متضادين، يتحين كل واحد منهما فرصة النيل من الآخر، من أجل أن "يعجب" الأتْباع، ويزيد في مساحات الحضور على "اليوتيوب"، ويستلذ بعبارات من مثل: "فلان يمسح بفلان البلاط"، أو "فلان يلقم فلانا حجرا"، وغيرها من العبارات التي باتت عناوين معتادة للمقاطع المختارة من بعض البرامج الحوارية.

هذه السمة، صبغت بعض البرامج الحوارية المهتمة بالشأن السعودي، ولم يعد لمعدي هذه البرامج من هم سوى وضع فلان في مواجهة فلان، والتلذذ بما يكون بينهما ـ على الهواء مباشرة ـ من شتائم، وتبادل الاتهامات، ليستحيل الحوار خواراً، وتطفو القضية إلى السطح، وكأنها قشّة مجوفة، هذا إن كانت هناك قضية في الأصل، لأن قضايا هذه البرامج كلها ليست مهمة في ذاتها، وإنما المهم هو أن يكون فلان في مواجهة فلان، لتحلو "الفرجة"، وينشط "الفيس بوكيون "والتويتريون" و "المنتدياتيون".

لا أدري، لكنني أدري، أن هذه النوعية من البرامج الحوارية، من مثل: "البيان التالي"، وما سار على نهجه من البرامج، تسهم ـ من حيث يدري أصحابها أو لا يدرون ـ في زيادة الاحتقان، وتعميق الهوة، فضلا عن أنها تكرس التصنيف، وتزيد في أسباب التعنيف، من خلال تعويم القضايا بتحويلها إلى صراعات تيارية، فضلا عن إشغال العقول بالتأمل في الهوامش، عن قراءة المتون التي ينبغي أن ننشغل بتحليلها تحليلا جمعيا واعيا ومتسامحا، متنازلين عن الانتصار للذوات، من أجل الانتصار للمستقبل والأجيال.

الأسئلة الجوهرية هنا هي: هل تتنافى هذه الممارسة مع رسالة الإعلامي المثقف؟ وهل تكون "صناعة الإثارة" مقدمة على التداعيات والآثار؟ وهل نحن بحاجة إلى كل هذا الصخب "الشتائمي"؟ ولماذا كل هذا؟

بصراحة: لا أدري، ولم أعد أدري..

الذي أعرفه، أن كل هذا يسطح عقولنا، ويؤثر سلبا على مستقبل أجيالنا، ويجعلنا متعصبين للتعصب، وحسب.