إذن لقد قطعت وزارة الشؤون البلدية والقروية كل الاحتمالات والانتظار الواسع لقرار فرض رسوم على الأراضي البيضاء، ومع أن المبرر الذي حمله تصريح سمو وزير الشؤون البلدية والقروية حمل بعداً نحترمه وهو البعد الفقهي، ولم يحمل أي بعد تنموي أو أية رؤية تبحث عن حل، بل كان نوعا من إحالة الملف إلى ما لا يمكن نقاشه، إلا أنه لا يجب أن يكون نهاية النقاش، ليس حول فرض رسوم على الأراضي البيضاء، ولكن حول ما هو أعم وأشمل وهو وقف هذا الارتفاع المخيف في أسعار الأراضي، وإيجاد رؤية لإدارة هذه الملف الذي تحول إلى أزمة باتت تمثل ضغطا شعبيا على الوجدان السعودي غالبا.

لا يوجد الآن سؤال أكثر حدة وألما في حياة السعوديين كما هو الحال في العقار وتملك المساكن والحصول على أراضٍ وسط هذا الارتفاع المهول في أسعار الأراضي، وسط ذلك الاحتكار الذي يشهده واقع السوق العقاري في السعودية، وعمليات المضاربات التي أدت إلى ارتفاع مهول في مناطق قد تعتبر خارج العمران، فما بالك بقطع الأراضي التي داخل الأحياء السكنية، مما يباعد كثيرا بين حلم امتلاك مسكن وبين الشريحة الأكبر من السعوديين، خاصة إذا علمنا أن أكثر من 70% من السكان لا يمتلكون مساكن خاصة.

في حديث مطول مع أحد المستثمرين العقاريين حول الارتفاع الكبير في أسعار المنازل، وحيث تتجاوز قيمة الفيلا التي لا تزيد مساحتها عن 300 متر مربع المليون ريال، يعزو السبب إلى ارتفاع أسعار الأراضي، فإذا كان سعر الأرض لوحدها قد يتجاوز نصف مليون ريال فكيف سيكون سعر الوحدة السكنية بعد بنائها. أدى ذلك إلى ظهور أنظمة للبيع بالتقسيط تصيب بكثير من الإحباط، حيث تتراوح مدة التملك من عشرين إلى ثلاثين عاما، وهو ما يعني انقضاء العمر والجهد فقط من أجل تملك مسكن صغير وبمساحة متواضعة. تدخلت الدولة بشكل قوي ومؤثر جدا أولا على المستوى التنظيمي، وثانيا على المستوى الواقعي، وكان إطلاق وزارة للإسكان، عبارة عن توجه قوي وحقيقي من الدولة.

الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبد العزيز، يمثل أحد مراحل الأجيال القيادية في السعودية والذي يتواصل الاعتزاز بجهوده وفعاليته ودوره الوطني، وتقديمه الكثير من الأفكار الجديدة والعمل وفق منطق وطني جديد ومتصل يجعلنا ونحن نتطلع لسموه نحمل طموحا أن تخرج الوزارة من الإجابات القطعية إلى المشروعات التي تتضمن حلولا دائمة ومستمرة وقابلة للقياس. إن الامتناع عن فرض رسوم على الأراضي البيضاء انطلاقا من وجود فتوى لهيئة كبار العلماء أمر مقدر ويستحق الاحترام، إنما لا على سبيل رمي الكرة في ملعب الهيئة، والتي تضم نخبة من العلماء المتميزين فقها وبحثا ودراسة، وقد سبق لكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية أن كتبت دراسات معمقة حول بعض قضاياها التنموية وقدمتها لهيئة كبار العلماء تشرح فيها الجدوى الشرعية والوطنية والتنموية، وقد أسهم ذلك على الأقل في وجود تنوع في الحكم الفقهي حول بعض القضايا.

تصريح سمو الوزير - وفقه الله – والذي نشرته الصحف المحلية منذ يومين – يشير إلى موقفين رسميين، الأول يتمثل في ما تبناه مجلس الشورى حول القضية، والثاني إلى القرار السامي المبني على ما رفعته هيئة كبار العلماء، ورغم ما في الموقفين من وجاهة إلا أن دور الوزارة هنا يحتاج إلى أن يستلهم طرح البدائل أولا، ثم التداخل والكتابة والرفع للجهات العليا حول ما تراه الوزارة في هذا الصدد أو حول البدائل، خاصة أن المقام السامي يفتح سمعه وأبوابه لتلقي كل الاقتراحات والدراسات من مختلف الوزارات والمؤسسات وبخاصة في القضايا التي تمثل اختصاصها وتمثل في ذات الوقت واقعا محليا يحتاج إلى علاج.

من الواضح أن قضية تملك المواطنين للمساكن تعد من القضايا المهمة للغاية لدى خادم الحرمين، ولدى سمو ولي العهد، ذلك أنها من أبرز وأهم عوامل استقرار المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم، وبالتالي يصبح دور الوزارات المعنية بهذا الملف - والتي تتمثل في وزارتي الإسكان ووزارة الشؤون البلدية والقروية، والتي تقوم بأدوار مهمة في هذا الجانب - أن تعمل على تلبية احتياجاتنا التنموية، خاصة وأن القضية كغيرها من القضايا التي إذا ما حظيت بالمتابعة والشرح والتوضيح فقد تستحث آراء فقهية متنوعة. مما قاله سمو وزير الشؤون البلدية والقروية أن وضع رسوم على الأراضي البيضاء ليس الآلية الوحيدة لخفض أسعار الأراضي، وهذا كلام مهم للغاية ويشاركه فيه كثير من الخبراء العقاريين، ليأتي دور الوزارة الحقيقي في إجراءات لا تقل أهمية، والتي منها نظام التطوير الإجباري، ونظام الشراكة مع الحكومة لتطوير تلك الأراضي وتوزيعها.

إن أسئلة التنمية بحاجة إلى إجابات واسعة وإلى عمل حقيقي، خاصة ونحن نستقبل واقعا اقتصاديا سعوديا مزدهرا تشهد به تلك الأرقام المهولة التي حملتها الميزانية الأخيرة، والتي تحتاج من كل مسؤول السعي الجاد لتلبية طموح القيادة وطموح المواطنين.