في حوار نشر في جريدة الرياض مع سعادة الدكتور عبد الملك آل الشيخ المشرف على معهد الأمير سلطان بن عبد العزيز لأبحاث البيئة والمياه والصحراء بجامعة الملك سعود وأمين عام جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز للمياه، في عددها 15907 الصادر بتاريخ الخميس 12 يناير 2012م عن شح المياه في المملكة العربية السعودية، أشار فيه إلى دعوة خادم الحرمين الشريفين لكل مواطن ومقيم على أرض المملكة العربية السعودية إلى الترشيد في استخدام واستهلاك الماء، وكم كنت أتمنى من سعادته أن يكون أكثر موضوعية في معالجة هذا الأمر الخطير الذي أضحى لا يمثل تحديا خطيرا فقط على جزيرة العرب بل يتجاوز هذا التحدي ثلثي سكان الكرة الأرضية. وكما ترى يا أخي عبد الملك أن الموضوع أكثر تعقيدا من أن يحل بخارطة طريق تُرسم أبعادها بكلمات وجيزة!
في الحقيقة عندما شرعت في كتابة هذا المقال احترت كيف ومن أين أبدأ، وكيف أرتب عناصره، عندها توصلت إلى قناعة تامة أن مثل هذه الطرح الذي أصبح حديث الساعة في كل دول العالم لا يمكن تناوله في مقال صحفي، ولتحدياته الخطيرة على البشرية أصبح الشغل الشاغل لهيئة الأمم المتحدة، وبتوجيه منها أشبع هذا الموضوع نقاشا في العديد من الجامعات والمراكز العلمية ذات العلاقة بأبحاث المياه، وتشير الإحصائيات الصادرة عنها أن أكثر من 5000 طفل في الدول النامية يموتون في العام الواحد بسبب شح المياه النظيفة واستخدامهم المياه لآسنة في مشربهم ومأكلهم، وهل تعلم أخي القارئ أنه عند انتهائك من قراءة هذا المقال يكون قد مات عشرة أطفال في العالم بسبب شح المياه!
وصدقوني أن الوضع لا يختلف كثيرا عن ذلك في المملكة، فكم هم الذين تضرروا من الأطفال والنساء في قرية حمراء الأسد في المدينة المنورة نتيجة استخدامهم المياه الملوثة، والأمر لا يقتصر فقط على المدينة المنورة بل يشمل جميع بقاع المملكة فكم هي المزارع التي تسقى بمياه الصرف الصحي. شح المياه أيضا ألقى بظلاله السوداء على شرق أفريقا، وإحصائيات الأمم المتحدة لمن سقطوا وتشردوا من ديارهم بسبب شح المياه أرقام مخيفة.
لا تختلف أسباب شح المياه في المملكة عنها في بقية أنحاء العالم، ولكن مما زاد ويزيد الأمر سوءاً وتعقيدا، عدم وجود إدارة فاعلة لإدارة المصادر المائية تخفف من وطأة هذه المشكلة، السبب الرئيسي في تفاقم ظاهرة الشح المائي هو التغير المناخي، والتغير المناخي قد يتسبب بفيضانات عارمة في بعض بقاع العالم كما حدث عادة في مناطق العروض المنخفضة ـ من خط عرض صفر درجة شمالا وحتى خط عرض20 درجة شمالا تقريبا باستثناء رحلة الشريط الاستوائي المطير صيفا ITCZ ـ في منطقة جنوب شرق آسيا مثل ما حدث في الصين وتايلاند وباكستان أو كما يحدث في منطقة العروض الكبيرة (من خط عرض 40 درجة شمالا وحتى الدائرة القطبية الشمالية) وأقصد بذلك كلا من أوروبا وأمريكا الشمالية وروسيا وشمال الصين، أو قد يتسبب التغير المناخي بشح وندرة هطول على بعض مناطق العالم خاصة تلك المناطق التي تقع بين العروض المتوسطة والتي تضم الحزام الصحراوي الذي يلتف حول النصف الشمالي من الكرة الأرضية Northern Hemisphere في منطقة العروض المتوسطة تقريبا ومنها الصحراء الكبرى الأفريقية وجميع صحاري جزيرة العرب وصحاري جوبي في كل من منغوليا والصين، في جزيرة العرب تمثل تقريبا كلتا الصورتين أقصد بذلك الفيضانات والقحط، فمعظم مناطق جزيرة العرب تعاني من الجفاف والقحط الشديدين في حين أن الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب, أقصد بذلك اليمن والجنوب الغربي للمملكة قد تعاني من فترات متقطعة من هطول الأمطار الشديدة التي تصحبها في بعض الأحيان بعض الفيضانات، وعادة ما يحدث ذلك في فصل الصيف (من شهر أبريل وحتى شهر سبتمبر) هذا الأمر قد يحدث أيضا في الركن الجنوبي الشرقي من جزيرة العرب وأقصد بذلك سلطنة عمان التي شاهدت في العقد الأخير العديد من الأعاصير والفيضانات وهذا كما ذكرت في العديد من المقالات على صفحات هذه الجريدة الغراء نتيجة لهجرة الشريط الاستوائي المطير Intertropical Convergence Zone الذي حدث تغير واضح في سلوكه نتيجة لظاهرة التغير المناخي العالمي فأصبح يتغلغل في جزيرة العرب من جهة الجنوب مسببا هطول الأمطار الغزيرة، والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو السبب في حدوث التغير المناخي العالمي، هذا الأمر قد أشبعته نقاشا على صفحات هذه الجريدة الغراء، وهو الأمر نفسه الذي أجمعت عليه جميع دول العالم في العديد من المؤتمرات أو ما يعرف بقمم الأرض من قمة ريوديجانيرو وحتى آخر قمة عقدت في مدينة ديربي بجنوب أفريقيا ولكن هل تستطيع هذه القمم وما يتمخض عنها من توصيات التأثير و إيقاف أو حتى التخفيف من حدة هذه الظاهرة، وهل تجدي القرارات السياسية الخطيرة التي اتخذتها دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بضريبة الكربون وإيقاف تحليق طائرات الدول التي تمتنع عن دفع هذه الضريبة؟، وهل هذا نوع جديد من الفساد البيئي متمثلا في ابتزاز دول العالم خاصة الدول المنتجة للنفط؟ الموضوع أكثر تعقيدا من أن يحل بخارطة طريق ترسم أبعادها كلمات وجيزة.