المثقف هو من يرفض التماهي مع المجتمع متجاهلا عقله، وهو من يمتلك الشجاعة لمواجهة ذاته وفكر مجتمعه عندما يكون هذا الفكر مليئا باللاعقلانية. والمثقفون هم النخب التي تعمل على التغيير، وهم من يكافح وينافح من أجل فتح منافذ العقل المغلقة. المثقف لديه رؤية أعمق وأفق أبعد لواقع الحال، وهو في الدول المتقدمة من يرسم الخطوط العريضة للسياسات الاجتماعية، فلا يعاني من التشكيك في ذمته وأخلاقه ولا يوضع في قفص الاتهام ويطالب طيلة الوقت بتبرير تصرفاته.

الكثير من المثقفين لا تمسهم القضايا التي يتبنونها لا من قريب ولا من بعيد ولا يربطهم بها سوى شعورهم الإنساني بالآخرين المتضررين من وقعها وتعاطفهم مع مجتمعهم، لذا فهو يستمر في الدفاع عنها حتى وإن كلفه الشيء الكثير من سلامته وراحته.

كثير من المثقفات أن لم يكن كلهن، لسن في حاجة للوظائف سواء في محلات البيع أو حتى في مدارس البنات والكثير منهن أيضا لديهن أسرة تقدم لهن الدعم، ويتمتعن بحرية في التنقل والطرح والنقاش ومع ذلك تؤرقهن حال بنات جنسهن وآلامهن وأحزانهن وضعفهن.

المثقفون مشارب ومدارس، منهم من يؤمن بأن أي تغيير لأي قضية يبدأ باستحداث القوانين التي تتناسب مع الزمن ثم فرضها، فالنظام والقانون لهما وقعهما في النفس وهما كفيلان بتربية أمم بأكملها.

مثل أصحاب هذا الطرح هم المجموعات التي طالبت بتأنيث محال البيع ومنهم الكاتبة ريم أسعد التي أنجزت عدة حملات للمطالبة بتأنيث المحال والتي طالما رددت في مجالسنا أن تمكين المرأة اقتصاديا يعني تحريرها من التبعية والطريق لذلك هو سن المزيد من القوانين لدعمها اقتصاديا.

فئة أخرى ترى أن سن قوانين لن يجدي طالما أنه لم ينبع من قاعدة فكرية وفلسفية عميقة للقاعدة العريضة من الجماهير، فدور الفرد في المجتمع العربي في الحراك الاجتماعي مازال محدودا.

هذه الفئة ترى التعليم هو الأساس وهي غالبا ما تعمل بهدوء على تغيير الفكر من الجذور بإثارة التساؤلات، والبراهين بالكتابة المحللة الرصينة. وهذا أمر شاق ويتطلب المهارة والعمل الدؤوب والصبر فمحاولة تغيير ما يعتقد الناس بصحته وما تمت برمجتهم عليه لفترات تصل لمئات السنين قد تكون فيه مخاطرة وكثيرا ما دفع أصحابها حياتهم ثمنا لها. وأنصع مثال هو كوبرنيكوس الذي أصر على كروية الأرض ومات حرقا من قبل أبناء مجتمعه. أخيرا؛ فالمجال الثقافي لدينا غير محصن ويمكن لأي كان الانتماء إليه وهذا لأنه لا يوجد تنظيم اجتماعي لإعداد المثقف المفكر والعملية عبارة عن جهود فردية، كذلك المتلقي نفسه غالبا غير انتقائي ولا يدرك خطورة دوره في تمييز المثقف الحقيقي، وهذا يجعلنا نتساءل من هو المثقف؟