هل تختلفون حول رجل الأعمال السعودي، سليمان الراجحي، وهو بالدهشة يقطف أرفع جائزة في الدنيا لخدمة الإسلام وواحدة من أرفع خمس جوائز من حيث الاسم والانتشار؟ نعم، أصبت بالدهشة لبضع دقائق بعد أن استمعت للأمير خالد الفيصل وهو يبتدئ كوكبة الأسماء الفائزة بجائزة الملك فيصل العالمية مساء ما قبل البارحة. أدرك مسبقا، وبلا أدنى شك، أن لدينا حساسية مجتمعية بالغة السلبية تجاه رجال الأعمال، مثلما أدرك تماما أن الاسم بعاليه في العنوان يتقاطع مع السواد الأعظم من الأسر السعودية.

وبشكل شخصي، فأنا لا أعلم شهرا واحدا منذ عودتي من بعثتي الدراسية دون أن يكون سليمان الراجحي شريكا أساسيا حتى اللحظة في جزء من راتبي الشهري، ولكن: دلوني على من يحفظ لي ماء الوجه ويعطيني القرض الحلال وأدخل مكاتبه برأس مرفوع بدلا من مذلة السؤال وخشية الإجابة.

سنختلف حتما على سليمان الراجحي ولكننا سنتفق حينما نحتكم للعقل، أنه لم يضرب أحدا على يديه وكل الذين ذهبوا إليه إنما يهربون من – ورطة – وقد يدخل بعضنا ويخرج منه بورطة، لكن الحقيقة أن همم بعض الأفراد وطموحهم تثمر في النهاية عن إضافة جوهرية لأممهم ومجتمعاتهم. وبعض الحقيقة أن في حياة بعض الأفراد من العمل والإنتاج ما يجعل الفرد الواحد مجتمعا بأكمله.

بعض الأفراد يمثل وحده جماعة. بائع الحلوى البسيط قبل نصف قرن من الزمن يفتح اليوم بيوت الآلاف من أبناء الوطن الذين فتح لهم الوظيفة، وحامل الأثقال ذات يوم في شارع الوزير بالرياض يتفوق في سيرته الذاتية وفي عطائه المجتمعي على بعض الوزراء وأساتذة الجامعات.

إنه الفرد الذي يتحول إلى قيمة اجتماعية. وبالطبع لم يفز سليمان الراجحي بأرفع جوائز الكون لأي سبب مما كان بعاليه، وإنما كبقية الأسباب في الوجه الآخر من حياة سليمان الراجحي وأوقافه وهيئاته الخيرية. فاز للوجه الخفي، لا بسبب الوجه المعلن. وكل هذه التحولات الهائلة من الفقر المدقع إلى رأس الصيرفة الأول لأكبر اقتصاد عربي لم تبدل سجية واحدة من هذا الوجه القصيمي السعودي.

بقي ذلك البسيط المتواضع سلوكا ولبسا وسكنا ومعاشرة مثلما بقي ذلك الوجه المتماسك حول ثقافته ومنهج مجتمعه. يسير مطمئنا وكلنا نختلف له أو عليه والمال هو الفيروس الأعلى في تغيير الشخصية ولكنه انتصر على هذا الفيروس نعم، بكل ثقة، يستحق هذا الرجل هذه الجائزة.