استمر التنافس للسيطرة على مضيق هرمز الإستراتيجي على مدى سنين طويلة. فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يلعب دوراً هاماً في التجارة الدولية. وقد خضع للاحتلال البرتغالي والهولندي والفرنسي ثم البريطاني. تدخلت بريطانيا بأساليب مباشرة وغير مباشرة في شؤون الدول الواقعة على شواطئه لتأمين مواصلاتها، متصارعة مع الفرنسيين والهولنديين لسنوات طويلة، إضافة إلى صدامها مع البرتغاليين ابتداء من عام 1588, بعد معركة الأرمادا وإثر إنشاء شركة الهند الشرقية، ضمنت بريطانيا السيطرة على هذا المضيق الحيوي.

ازدادت أهمية مضيق هرمز الإستراتيجية بعد اكتشاف النفط، نظراً للاحتياطي النفطي الكبير في المنطقة، فالاتحاد السوفيتي السابق كان يتوق إلى الوصول إلى المضيق لتحقيق تفوقه المنشود والتمكن من نفط المنطقة، بينما كونت الولايات المتحدة روابط سياسية وتجارية وعسكرية مع دول المنطقة لضمان الإشراف على طرق إمداد النفط انطلاقاً من مضيق هرمز الذي تعتبره جزءا من أمنها الوطني، ولا سيما أنه الطريق الأهم لإمدادات النفط العالمية.

يبلغ عرض مضيق هرمز 35 كيلو متراً في أضيق نقاطه، ويمر من خلاله من 30 إلى 40% من النفط الخام المصدر لكافة أنحاء العالم، بمعدل يصل إلى 18 مليون برميل في اليوم. ظل هذا المضيق يسبب أرقاً للمخططين الإستراتيجيين في منطقة الخليج العربي. حاولت المملكة أن تخرج من أزمة المضيق عندما أنشأت خط التابلاين في عام 1950, وهو يعبر المملكة ثم الأردن وسورية إلى لبنان فالبحر الأبيض المتوسط. نجح هذا الخط لفترة من الزمن إلا أن استخدامه توقف بعد احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان عام 1967. عملت السعودية بعد ذلك على بناء خط الشرق الغرب السعودي الذي يعبر المملكة من الساحل الشرقي إلى مدينة ينبع على البحر الأحمر حيث توجد مصافي التكرير ومرافق تخزين النفط الخام وفرض للتصدير. الغريب أن هذا الخط جاء نتيجة مخاوف من إعاقة التصدير من خلال مضيق هرمز أثناء الحرب العراقية الإيرانية، لكنه أوجد الحاجة إلى مضيق آخر هو باب المندب.

اليوم تستطيع دول مجلس التعاون أن تستفيد من خط الأنابيب الجديد بين إمارتي الشارقة والفجيرة وتوسعته بحيث يستوعب كميات أكبر من النفط, إضافة إلى تشغيل الخط الذي طالما حاولت المملكة أن تنشئه من منطقة الشيبة إلى سواحل بحر العرب بعيداً عن كل المضايق ومشاكلها.

إغلاق المضيق تهديد تعتمده السياسة الإيرانية لإخافة المجتمع الدولي, من خلال ما يسببه ذلك من تعطيل المصالح الاقتصادية ورفع سعر النفط إلى مستويات خيالية. تعتمد إيران على مجموعة من المعطيات التي تحاول تثبيتها كمسلَّمات, وهي تشمل:

- البناء على قناعة دولية بأن النظام في إيران مغامر وأنه يمكن أن يقدم على أي شيء. قاعدة خلق التوتر والخوف لدى المجتمع الدولي تظهر في تصريحات نارية أشبه بإعلان الحرب من قبل مسؤولين محسوبين على النظام.

- الاعتماد على تعظيم مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي التي تحاول الإبقاء على هدوء وسلاسة عمليات التصدير وإبعادها عن أي مواجهات قد تضر بعمليات إصلاح اقتصادي طموح تتبناه هذه الدول.

- أن العقوبات التي ستطبق بحق إيران سوف تؤدي إلى شلل كامل في اقتصاد هذه الدولة, هنا ستطبق نظرية "علي وعلى أعدائي".

الحقيقة التي يؤكدها كل الخبراء هي أن إيران لا تستطيع أن تغلق المضيق لأكثر من أسبوعين في أسوأ سيناريو. كما أنه لم يسبق أن أغلقت إيران المضيق برغم تهديداتها, وإنما استخدم كفزاعة لإبعاد الضغوط عن تجاوزات وتحديات الجمهورية الإيرانية.

تجدد حلم إيران بالسيطرة على الخليج العربي مع خروج القوات الأميركية من العراق. هذا الخروج الذي كان أشبه بخروجها من فيتنام, حيث تركت الساحة مفتوحة لحرب طائفية بدأت إيران في استثمارها من خلال تشجيع المواجهات التي طالت أكبر رموز الدولة العراقية.

فيما عدا دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى اتحاد خليجي؛ فقدت تركيا جزءاً كبيراً من مصداقيتها في المنطقة بعد تذبذب ردود فعلها تجاه المستجدات. هذا شجع إيران لأن تعمل على تقوية الهلال الشيعي والعودة لمفهوم تصدير الثورة. في سبيل ذلك لابد أن تسحق جميع معارضيها في العراق, ومن ثم تسيطر على الأزمة التي يواجهها النظام السوري مع ثورة الشعب، بعدها يمكن أن تلتفت لمحاولة السيطرة على الخليج.

هذا الهدف الإستراتيجي, يستلزم تضحيات كبرى، يستدعي العمل في العراق وسورية إبعادهما عن التركيز الإعلامي. لتحقيق ذلك, تهدد الجمهورية الإيرانية بإغلاق المضيق, لكنها لا تقتصر على ذلك بل قدمت تضحيات كبيرة مثل:

- إعلان التوصل لتخصيب اليورانيوم في مفاعل فوردو الإيراني, في محاولة لجعله الملف الأسخن ولفت نظر العالم نحوه.

- تدبير عملية اغتيال لعالم نووي إيراني كضحية لعملية الكشف تلك وهو يهدف لإعطاء مصداقية للإعلان وإلباس التهمة بالغرب.

- الاستمرار في إذكاء المظاهرات وعمليات تهديد الأمن في دول مجلس التعاون.

- التوجه نحو أميركا اللاتينية لإيجاد حلف إستراتيجي مهما كان هشاً لكنه يضمن أسواقاً للنفط الإيراني, وتعاطفياً شكلياً على الأقل مع نجاد.

إيران لن تغلق المضيق، لأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك، وإنما تستخدم التهديد كوسيلة لتحقيق أحلام تصدير الثورة من خلال السيطرة على المنطقة ومقدراتها والتنمر على حكوماتها.