تحتفل أمريكا في 16 يناير من كل عام بيوم "مارتن لوثر كنج" (يناير 1929 - إبريل 1968) حيث يعد يوم الاثنين الثالث من كل شهر يناير (تقريبا موعد ولادته) عطلة رسمية في كثير من الولايات الأمريكية. "مارتن لوثر كنج" الأمريكي الأسود اعتبر من أهم الشخصيات التي دعت إلى الحرية وحقوق الإنسان والمطالبة بإنهاء كافة مظاهر التمييز العنصري ضد بني جلدته، وهو الزعيم المناضل والناشط السياسي، بدأت قصة نضاله في 1954 حيث كان الزنوج السود وقتها يعانون العديد من مظاهر الاضطهاد والاحتقار وخاصة في مدينة "مونتجمري" والتي اشتهرت بإهانة عملائها من الزنوج إلى أن جاء اليوم الذي رفضت فيه إحدى السيدات وهي حائكة زنجية أن تخلي مقعدها لراكب أبيض فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال البوليس الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القوانين، فكانت بداية الشرارة والتي كانت تنذر برد فعل عنيف يمكن أن تُفجر فيه الدماء لولا "مارتن لوثر كنج" فنادى بالمقاومة السلمية وعنوانها "اللاعنف" والذي كان يستشهد فيه بقول المسيح عليه السلام "ادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك" كان يخطب في أنصاره "دعوا الذعر جانبا ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف"، في عام 1964 حصل على جائزة نوبل للسلام، إلى أن اغتيل في إبريل عام 1968.

كثيرون يعتبرون أن رسالة لوثر كينج قد تحققت وأن التفرقة العنصرية قد انتهت في اليوم الذي فاز فيه "باراك أوباما" بالانتخابات الرئاسية منذ 20 يناير 2009. باراك أوباما – الرجل ذو الأصول الأفريقية - والذي تفخر به الكثير من دول العالم بوصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة. أما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية فحدث ولا حرج فمظاهر العنف والعنصرية ما زالت مستشرية وفوراتها متجددة من حين لآخر وما يحدث من حالات القتل في الداخل الإسلامي لهو خير دليل على ما نقول ناهيك عن عشرات الأسئلة التي يواجهنا بها شبابنا، الذين لم يتمكنوا من استيعاب الاختلاف بين ما يسمعونه عن الدين الإسلامي وأخلاقياته السامية وبين ما يشاهدونه يوميا عبر الفضائيات، من حالات التصفية ذات النكهات المتعددة، مما يضعنا في حيرة من أمرنا، ونحن نحاول أن نلملم حروف الإجابات عن تلك الأسئلة الملحة، ونسعى إلى تبسيط الكلمات حتى لا نزيد من حيرة الأبناء، ونجعلهم يتيهون بين عشرات الآراء والاتجاهات الفقهية والتيارات الإسلامية، التي تدعي جميعها صلتها بالإسلام. نعم.. من حقنا أن نضع مئات علامات الاستفهام أمام انتشار عشرات القنوات الفضائية، والمليئة بالإقصاء وتبادل الاتهامات، إلى أن وصل الحال إلى ذلك المشارك الذي طُرد من القناة فقط لأن له رأيا إيجابيا في طائفة معينة، وقد أضحكني أحد الدعاة والذي دائما ما يعشق التقليعات الإعلامية الجديدة والظهور خلف الشاشات ثم يأتي ويقول هذا نقاش وحوار يستلزم فيه أحيانا رفع الأصوات، ثم يثبت ذلك بالدليل! إنني أتساءل: لماذا هذا التسطيح بعقلية المشاهد كلمات فيها ما فيها من التنقيص والاستهانة والتجريح بكرامة الإنسان، وكأنه في حلبة مصارعة ثم الأدهى والأمر تجده يختزل الغرب كله في السفه والابتذال، وهنا نطرح السؤال الأهم: ما السبيل إلى الحد من العنف؟

مناقشة الأسباب المفضية إلى تكرار الظاهرة مهمة ولكن الخطوة الأولى هي الاعتراف بالمشكلة من عدمها والإقرار بها. فطرح القضية، ومناقشتها بكل وضوح وشفافية موضوعية، دون البحث لها عن مبررات فقد سئمنا الشعارات التي تختزن في داخلها التعصب والعنصرية المقيتة، إننا نريد في الواقع برامج تنموية حقيقية تصنع التغيير وتبني الوطن.