• لقناة العربية سبقٌ جريٌ وفريد في الثورات العربية، في العام المفاجأة 2011 ، فهي التي وضعت المشاهد التونسي أولاً، ثم العربي آخراً، وجهاً لوجه أمام اللحظة التاريخية، تلك التي هرمت بعض بلدان الوطن العربي، بكل ما فيها من جغرافيا وأيديولوجياتٍ، وحروبٍ وثروات، وتحالفاتٍ وعسكرٍ، بما في العرب من أجيالٍ وأجيال، كانوا قد هرموا يائسين، ولم يكونوا أبداً في انتظارها. هذا ما فعلته العربية في الفيلم الذي أنتجته بممثليها المبتدئين، على الأقل في أدائهم.. وبما قدّرته القناة من التطابق لأيام الفرار من قرطاج، أي فرار الرئيس التونسي وعائلته، زين العابدين بن علي، من تونس. العربية صورت توقيت هربهم الذكي من الثائرين ولو مؤقتاً، وإن كانت الثورة بغضبتها ستمشي في ملاحقتهم، أو سيلاحقهم كابوسها كل الحياة!

• في ثورة تونس عبارتان، قالهما الملايين في مجالس الألم والنشوة والضحك، وهما "بن علي هرب" و "هرمنا.. هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية"، ولأني من حينٍ إلى حين أحاول تجنب الإعلام كي لا يحكم قبضته على عينيّ وفهمي، فإنني حين رأيت فيلم العربية كتبت في تويتر: ليت العربية وصلت لصاحبي أشهر عبارتين في ثورة تونس؛ "هرمنا.. هرمنا" و "بن علي هرب" وعرّفتنا بهما، وبمجرد أن كتبت ذلك جاءت الردود أن الشاشات وصلت إليهما، وفوجئت شخصياً بعد كل هذا الوقت أني، بعد عام، أعرف الذي بكى في انتظار تلك اللحظة التاريخية، وذلك الذي خرج دونما شعور، وخرق حظر التجوّل، وراح يصيح "بن علي هرب.. الشعب التونسي ما يخافش، الشعب التونسي حر!".

• وتمنيت لو كان فيلم العربية، بكل ما في جرأته واختراقه وتوثيقه من سبق، يدور في مركزه حول حالتي: "هرمنا" و "بن علي هرب" وبطلي الحالتين المؤثرتين، لكان أقرب كثيراً إلى الروح التونسية والعربية الجديدة مما كانت عليه.. وأقول ليت الفيلم اقتنص إحدى الحالتين أو كلتيهما، لأن الفن في أقصى ما يمكن أن يقدمه للوعي البشريّ هو أن يفسّر الحالة، حتى لو لم يتمكن من الإحاطة بتفسير المقولة!

http://www. youtube.com/watch?v= KsYD-Vnftek& feature =related

• في تقديري أن أكثر الأدوار إتقاناً كان لممثل دور الطيار، فشخصياً وأنا أتابعه – باستثناء شرب فنجان القهوة المفتعل – شعرت بالهيبة، هيبة البلدان والأنظمة والاستئذان، هيبة المهمة والفرار، وفجيعة أن تكون الذي ينقذ شخصاً تريد الملايين رقبته، ورهبة العودة للبلاد!

• أخيراً، وبعد عام، عرفت أن الذي بكى وهو يقول "هرمنا.. هرمنا" هو الحاج أحمد الحفناوي، والآخر الذي صرخ في الشارع "بن علي هرب" هو المحامي الشاب "عبدالناصر العويني"، ويا لله.. ما أكثر ما يخبئه المظلوم للظالم!