تعرض أحد أصدقائي – شفاه الله - لوعكة صحية مما تطلب منه المكوث في المستشفى لعدة أيام ـ طبعاً بالواسطات ـ وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، قدم له الطبيب المعالج الوصفة الطبية المطلوبة ومجموعة من التعليمات، وعلى رأسها البعد ما أمكن عن القيادة في الطرق والشوارع العامة، وهي تعليمات ليست لفترة مؤقتة وإنما بشكل دائم، وقد أشار الطبيب إلى أن القيادة في الطرق تساهم سلباً في زيادة التوتر والقلق لدى أي شخص، وبشكل أكبر لدى أشخاص يعانون من بعض الأمراض، وهي – القلق والتوتر والضغوطات والترقب – تمثل عوامل مثالية في حصول أمراض عضوية، منها أمراض القلب والقولون والسكر وغيرها، وقانا الله وإياكم من جميع الأمراض.
لن نتحدث عن صعوبة الحصول على خدمة صحية بجودة مقبولة ومواصفات معقولة، ولن نتحدث عن صعوبة الحصول على سرير في المستشفيات الحكومية، ولن نتحدث عن فترات الانتظار التي تصل إلى أشهر للحصول على موعد أو سرير، ولن نتحدث عن سعي السعوديين للحصول على تأمين صحي على حسابهم الشخصي كنتيجة ليأسهم من الحصول على خدمات صحية مناسبة وفورية في المستشفيات الحكومية، ولكننا سوف نتحدث عن الوسائل الوقائية للوقاية من الأمراض وتخفيف التكلفة على الناس وعلى الدولة من خلال التركيز على ترسيخ العادات والسلوك الصحيح والصحي من التغذية، والتغذية الروحية وحق الطريق والتغذية الصحية والتربية البدنية.
في السعودية، كما في دول كثيرة، تعتمد سياسات الخدمات الصحية على ما يسمى "العناية بالمرض" وليس "العناية بالصحة" (Disease Care vs. Health Care)، واحترام حق الطريق أحد الوسائل الرقابية الأساسية التي حتماً تمنع وتخفف من حدوث الكثير من الأمراض، ناهيك عن الحوادث.
عندما يهم أحدنا بالذهاب للعمل أو زيارة قريب أو صديق أو الذهاب إلى السوق أو التنزه، يبدأ التفكير والقلق والتخطيط في كيفية التعامل مع المتهورين واللامبالين من القائدين من مواطنين ومقيمين، كباراً وصغاراً، ويبدأ التنبيه بين أفراد العائلة بضرورة الهدوء والتركيز في القيادة والانتباه لتجاوزات وأخطاء وتهورات الآخرين – التي أصبحت ثقافة وحقا للبعض – لتصبح الرحلة أو الجولة بالسيارة معاناة وعذابا وقهرا. وفي أثناء السير في سيارتك، ليس من غير المعتاد أن ترى سيارة خلفك أو إلى يمينك أو إلى يسارك – ويخيل إليك أحياناً أنها فوقك – تضايقك وتضغط عليك لتفسح لها المجال وتعطيها حقها، نعم حقها! في المرور والعبث والانتفال من اليمين إلى اليسار متى يشاء قائدها، أما أنت فلا حق لك، إما أن تلعب لعبة القيادة بطريقتهم، أو تمكث في البيت، أو أن تقود وتتحمل الضغط والقلق والعذاب ولسان حالك وفي كل رحلة وليس كل يوم، اللهم الطف بنا، الله يهديهم.
أتذكر عندما كنت أعود من الولايات المتحدة الأميركية في إجازة، إبان دراساتي للماجستير والدكتوراه، كانت أمي – حفظها الله – ترفض الذهاب معي في سيارتي في مشوار خاص بها بحجة سوء قيادتي وعدم قدرتي على مجاراة السيارات الأخرى في شوارع الرياض، واختارت أخي الأصغر للذهاب معها، ومن المفارقات، أن أمي ذكرت بأنني قد أحسن القيادة ولكن في أميركا لأن الحقوق والقوانين تختلف، وكأنها تقول، لا يمكن أن يكون الناس كلهم خطأ وأنت صح، فما رأيكم؟
احترام حق الطريق وحق المارة منصوص عليه في الشريعة الإسلامية، وكذلك أنظمة المرور، فلماذا هذه التجاوزات؟ ولماذا التعدي والإضرار وتعريض أرواح الناس للضرر والهلاك؟ وأين أجهزة المرور من ضبط هذه المخالفات وضمان وحفظ حقوق المارة والسيارات؟ ولماذا يحترم حق الطريق في دول العالم المتحضر ولا تحترم هنا؟ ولماذا يحترم وينصاع السعوديون لأنظمة المرور وحق الطريق والقيادة بأدب خارج السعودية ويمارسون العكس هنا؟ وهل هي ثقافة المجتمع أم غياب النظام المروري الصارم وعدم تطبيق النظام وغياب العقوبات وحضور الواسطات؟ ولماذا لم يحد نظام ساهر من هذه التجاوزات والعبث بأرواح الناس؟
قطعاً، هي ليست ثقافة المجتمع، فعندما يتم تطبيق نظام بشكل صحيح وعادل ومتكامل وبهدف المصلحة العامة وبكل شفافية، فسوف يتبناه ويتقبله المجتمع. نظام ساهر ركز على ضبط السرعة في الطرق وتحصيل مبالغ مالية ليصبح النظام وكأنه نظام لخلق وزيادة إيرادات، دون التركيز على الهدف الأساسي من الأنظمة المرورية، وهو حفظ حق الطريق، وحفظ الأرواح والممتلكات من خلال مراقبة التجاوزات والمخالفات وليس فقط السرعة، كما أن الدول المتقدمة تضع نظام النقاط، حيث يمنع السائقين المتهورين من القيادة لفترات قد تصل لسنوات أو حتى للأبد، فالسائق الذي يتلاعب بالسيارة وينتقل من مسار إلى آخر بشكل متهور أو يتوقف في وسط الطريق ليتحدث مع سيارة أخرى أو ليضايق سيارة معينة، أو يرفع صوت المذياع بشكل مزعج، وغيرها وغيرها من المضايقات والمخالفات والممارسات المتهورة التي نراها كل يوم، كل هذه الممارسات تمثل مخالفات لا تقل خطراً وضرراً عن أخطار السرعة، ممارسات تتزايد ولا تتناقص، ممارسات تزيد من الأمراض العضوية والنفسية وحتى الاجتماعية؟ ممارسات تزيد من التكاليف على الدولة بل تؤدي إلى الخسائر المالية والبشرية؟ فما العمل؟
من أمن العقوية أساء الأدب! مقولة نكررها دائماً وهي فعلاً تعبر وتشرح وتفسر ما نعانيه في بلدنا من أمراض، في سوء تنفيذ مشاريع البنية التحتية من مياه وصرف صحي وتصريف سيول ومبان ومشاريع تعليمية وصحية وغيرها، وكذلك فقد أمن السائقون المتهورون العقوبة، إلا أن المشكلة، وهي نفس المشكلة التي نعانيها في مشاريع التنمية الاقتصادية، أن القيادة المتهورة وعدم احترام حق الطريق تلحق الضرر بالآخرين أكثر من المتسببين بالضرر أنفسهم، فالطريق يطالب بحقه الطبيعي، والناس تطالب بحماية حقها الطبيعي في القيادة بأمان وهدوء ومتعة؟ فهل تستجيب وتتفاعل أجهزة المرور؟