أرسل لي الأخ أحمد الحجري من مسقط يسأل كيف يتعلم اللغة الإنجليزية بسهولة وسرعة؟ وجوابي أن تعيش بينهم، وتصبح طفلا يتعلم بالسماع، وإياك والحفظ بل تكرار الكلام؛ فالتكرار يعلم، وهذه من أسرار اللغة، ولا تخش من الخطأ؛ فهكذا يتعتع الطفل ويسقط فيتعلم القيام، والحياة حتى الموت تجارب، ولعل تجربة الموت هي أغناها على الإطلاق؛ فمعها تختم كل التجارب، وتبدأ الحياة مجرى مختلفا، فتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده. وأنا شخصيا تعلمت العديد من اللغات، وفي منطقتي حيث نشأت في القامشلي من الجزيرة، توجد ثماني لغات، ودرزن من اللهجات المحلية، وسبعة أديان بما فيها عبادة الشيطان، من أتباع يزيد من بني مروان، بين سريانية وأرمنية، وكلدانية وآشورية، وكردية وتركمانية، وعربية وعبرية، وآشورية وآرامية، ومن اللهجات عشرات بين ديري وشامي، ومردلي ومحلمي، وبدوي طياوي وشمري، وكرمنجي وطوخلركي، ولادقاني وحلبي.

وفي ألمانيا تعلمت لغة الجرمان في ثلاثة أشهر من الزمان، فبدأنا ننطق لغة المخاط والبصاق ـ عفوا من التعبير ـ فلغة الألمان غليظة ثخينة خشنة، يخيل لمن يسمعها أنه يمخط ويبصق، أخت شخط مخط برخت (acht macht Schacht bracht)؟ وهم يقولون عن لغتنا الضاد إنهم حين يسمعونها يظنون أحدهم أنه يختنق أع وأح من حروف الحلق، وكل أصحاب ثقافة يظنون أنفسهم أنهم سرة العالم وكنز الوجود، وأن الله اختارهم لتميزهم من بين كل الأنام. فيزعم الأكراد أن أصل إبراهيم من كردستان، ويزعم الشراكسة أنهم خير البرية، ويزعم العرب أن الله لصفة فيهم جعل منهم عدنان، ويزعم البريطان أنهم خير من أنبتت الأرض، وكذلك الجرمان.

والخلاصة من الناحية العملية كوني تعلمت أكثر من لغة وأنطق جملا وكلمات من عشر لغات، أن أفضل طريقة لتعلم اللغة هي تقليد الطفل كيف يتعلم؛ فهو لا يمسك القلم والقرطاس، بل يسمع فيكرر؛ فما يزال يكرر حتى يملك ناصية البيان، فاللغة أداة سماعية بالدرجة الأولى، بل إذا أردنا العمق أكثر قلنا إن الطفل حين يبدأ في تعلم اللغة يبدأ من لغة لا ننتبه لها وهي اللغة السيمائية، وحين أكون بين أحفادي في كندا يقرؤون في وجهي لغة مختلفة بدون إشارات بل من تعبيرات الوجوه، وهي التي عبر عنها القرآن فقال يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام، كما يقر بذلك علماء الألسنيات أو البرمجة اللغوية العصبية (NLP).

وفي هذا الضرب من اللغة لا يأتي التعبير بل قسمات الوجه والتعبيرات فيعرف الطفل قبل لغة التصويت أن هذا الشيء مشين أو رزين، وهذه الطبقة ماتزال منها حتى اليوم تعبيراتنا للتعبير من الابتسامة وتحريك الرأس واليدين، أو ما يسمونها لغة الجسد، فيفهم الإنسان الآخر بدون لسان وبيان ونطق وكلمة، ولغة المحبين في هذا واضحة حين يجلسون مرتاحين لبعض، يتبادلون كؤوس الحب من المآقي وحجرات النظر فيذوبون بعشق بدون لفظة وكلمة.

ثم تاتي الطبقة الأكثر سطحية وهي السماع، وهنا يتعلم الطفل اللغة المنطوقة بدون دفتر وكتابة، وبعد سبع سنين يبدأ تعلم اللغة كتابة، وهنا أي الكتابة شيء حديث في تاريخ الإنسان، اخترعها الإنسان ببراعة من أجل بناء الذاكرة الجمعية للجنس البشري. وحين يذهب الإنسان إلى معاهد جوته لتعلم اللغة الألمانية فهو يمسك بالدفتر والكتاب فيتعلم اللغة مقلوبة، وهي غير طريقة الطفل، ولكن من أجل تسريع العملية.. ولكن الطريقة الأفضل هي الذهاب إلى القوم والعيش بينهم، فإن لم يكن فعلى الأقل تدريب السمع باللغة والبيان حتى تتعلم الأذن موسيقى الكلمات وسحرها المخفي..