في برامج التلفزيون السعودي بقنواته المختلفة تغيب المتعة وتحضر الوعظية، يفتح المشاهد الشاشة فتندلق سيول النصائح من كل لون لتعبئ رأسه المنهك، كل الضيوف مستعدون لتقديم كتالوجات من الاستشارات وخرائط طرق لكيفية الحياة، خبراء من كل نوع، أخصائيين من كل جنس وفن، كلام في الكلام وتنظير في التنظير، تغيب البهجة عن ألوان الأستوديوهات، ملامح المذيعين بائسة وحزينة، أصواتهم خفيضة وأسئلتهم فاقدة للحرارة، ضيوف أسرى الرسمية، ومقدمات موسيقية مزعجة، تقارير منزوعة الدسم وأزياء تجلب الزغللة والرمد الربيعي، مسلسلات للهرج ومسابقات للمرج. لا شيء يهم ولا أحد يتفاعل. تغيب صناعة الحدث لتبقى الكاميرات تطارد أخبار الصحف وشائعات المنتديات والوشايات العابرة، تشتعل الدنيا وتنهش التلفزيونات الخاصة السعودية والعربية حدثه اليومي وقضاياه المزمنة وتعيد إنتاج نجومه في كل شيء، أغنية.. دراما.. رياضة، كضريبة للعولمة، وهو مستسلم راكن إلى ما هو طيع ومتاح.
السعوديون ملوك المشاركة والتفاعل والتواصل، يملؤون الفضاء والأثير بمشاعرهم ومشاكلهم وآرائهم، بينما لا يجدون في شاشتهم المحلية ما يثير، وفي شهر رمضان تعيد القنوات العربية والخليجية بيع الماء "في حارة السقايين"، مصدره السعودي إلى ذاته، تصب الماء في منبعه، ورغم المحاولات التي تأتي دوما متأخرة على قلتها إلأ أنها فقط لرفع العتب وتشتيت العتاب.
أعرف أن التلفزيونات الحكومية تعاني، وأن زمنها فات، لكنْ دوما هناك حل، فالأفكار لا يمكن أن تنعدم، والأشياء البسيطة هي التي تصنع الاختلاف وتكرس التميز، وما هو متوفر داخليا ونوعيا لا يوجد عند الآخرين، قسم منوعات شبه ملغى، لا وثائقيات مثيرة، اجتهادات من هنا ولمعات واهنة من هناك، الحوارات باردة ومعلبة ولا تعني أحدا حول قضايا مطلقة العمومية، ضيوف بتعابير صارمة لا تقيم تواصلا مع مشاهدها بل تهتم بتفاصيل لا تعني شيئا، مفردات "معكعكة" وجمل "مجعلكة" وكاميرا ميتة لا تشي إلا بالركود واليباس.. حتى البرامج القليلة التي خلقت تفاعلا ومتابعة سرعان ما ركنت إلى السائد بعد أن أشعت بشيء من الأمل.. هل ذكرت الأمل.. أظنه سيظل عزاء الصابرين!