جرَّبتُ قبلك مايبكيك، أثخنني * هجر الأحبة إن حلُّوا وإن رحلوا..

أقسمتُ ـ هذا اعترافٌ ـ كنتُ أعشقُهم *ويشهدُ الليلُ، والأوراقُ، والأملُ

صدِّق صديقيَ أن النارَ تأكلُني * هزيمةٌ مرَّةٌ أن يبكيَ الرجلُ!

إنه شاعر المدينة/ "حسين العروي"، أوجع من صوَّر غربة "النخيل"، وحرقة "الليمون"، وجراح "الأعناب"، ونبوءة الخيول، وبشائر المطر، وانتظار مالا ينتظر، وكل ذلك مجموع في قولك: "علي سعد الموسى"، وهو يستأذن قراءه بالانصراف يوم السبت، ليستمتع بلذة الهزيمة، وحلاوة التسليم لـ"ظروف" لن تنتهي، ليقول "العروي" من جديد، وخذ بالك يا "أبا مازن" من كل كلمة:

لا تظلم الليلَ؛ إن الداجياتِ هدى * إذا انتظرتَ مآلاً، ليس ينتظرُ!

لي لذَّتي في البكاء المُرِّ، لي صوري الضوئية الدمعِ، لي أشيائي الأُخرُ!

إنه الاكتئاب ـ أقوى مخلوقات الله كما يقول سيدنا/ "علي بن أبي طالب" ـ وقد قلنا: "أبو مازن يكتب بمرارة مفقوعة"، في مقالة حال عليها الحول، ووجبت زكاتها، وزكاة الأفكار: إنتاجها من جديد!

فنقول، بعد فاصلٍ من "النحنحة"، و"الحقحقة"، و"الوقعنة"، و"الطبعنة": إن الاكتئاب أفضل وقودٍ للإبداع ما دام في مرحلة 91، و95، بل وفي "غاز" مطعم مندي! لكنه في مرحلة "اليورانيوم المخصب" يغدو قنبلة هائلة مدمرةً، لا تبقي ولا تذر!

في المراحل الطبيعية قال عمُّنا/ "توفيق الحكيم": "لا حرمني الله من اكتئابي، فلولاه ما كتبتُ شيئاً"! أما في مرحلة "التخصيب" فقد أحرق "أبو حيان التوحيدي" كتبه، وقضى "نيتشة" ـ يهديكنكم الله ويصلح بالكنكم ـ أحد عشر عاماً في مستشفى الأمراض العقلية، وانتحر "همنجواي" بطلقةٍ من مسدسه!

والواضح من ملفات هؤلاء وغيرهم أن التخصيب يتم في اللحظة التي يبدأ فيها "الشخص" بالتدخل في حياة "المبدع"، إلى أن يخطف نجاحه ويسجله ضمن ممتلكاته، في كتابة "عدلٍ" تعمل في القبو ليلاً! فيشعر "المبدع" بالقهر، ولا تبرد كبده إلا بقتل "الشخص"؛ ليرثه قبل أن يوصي بكل تركته للضياع والنسيان مناصفةً!

ولم ينجُ من هذا السيناريو الرهيب، إلا قلةٌ استطاعت الفصل التام بين التوأمين المتناقضين، منذ البداية، كعمنا الأكبر/ "نجيب محفوظ": الروائي/ الفيلسوف/ السينارست/ الكاتب اليومي!

ومن يتابع "الموسى" لن يجد صعوبةً في إدراك أنه دخل مرحلة "تخصيب اليورانيوم" منذ "مبطي"! ورغم هتافات آلاف المعجبين والمعجبات تحت شعار: "الله يطعنِّي عنَّك يا كاتب "الوطن" الأول"! فلن يخلِّصه ويوقف التخصيب فوراً إلا "علي الموسى"/ المبدع! وليس أمامه إلا قتل "الموسى"/ الشخص، وتسليم جثته "حياً" لأسرته، وتسليم نفسه لقرائه، وإلى الأبد!

أما أسرع الوسائل لتنفيذ جريمته، الواجبة "وطنياً" فـ.... غداً !!