أي مستقبل ينتظر تنظيم القاعدة، بعد مقتل زعيمها الروحي أسامة بن لادن وأحد أبنائه، في عملية كوماندوز أميركية أمس في مدينة أبوت أباد الباكستانية، التي تبعد 50 كيلو مترا شمال شرق العاصمة إسلام أباد؟

أطل خبر مقتل بن لادن الذي يعد المطلوب الأول لدى الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، منذ ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، على السطح وحمل أسئلة محورية تحمل دلالات سياسية: مستقبل التنظيم المسلح؟ وخلافة الرجل الأول؟ ومستقبل العمليات العسكرية للتنظيم داخل أفغانستان وخارجها؟ وشكل ردة الفعل المتوقعة بعد مقتل المسؤول الأول؟

مسار التنظيم الداخلي

وقلل الصحفي المتخصص في الجماعات السلفية من القاهرة علي عبدالعال في تصريح إلى "الوطن"، من العملية الأميركية على مسار التنظيم العسكري داخل الخارطة الأفغانية، وقال "اغتيال أسامة بن لادن لن يقدم كثيراً إلا على المستوى القريب، كحد أقصى،لأن أسباب الحياة للتنظيم متوفرة في الحاضنة الطالبانية له، مع تواجد أسباب القوة العسكرية والإعلامية له".

وتوقع الصحفي عبدالعال الذي سبق أن كتب بحوثا حول مستقبل السلفية الجهادية، في عدد من الدول العربية قدرة القاعدة على "استثمار موت قائدها ومؤسسها الأول بن لادن في الدفع نحو سياسة التشجيع والتعبئة، نحو انضمام أفراد جدد للتنظيم المسلح"، وأفاد عبدالعال أن "الدكتور أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم هو الأكثر حظوظاً لخلافة بن لادن"، وعلل ذلك بأن الظواهري الطبيب الجراح "كان المنظر للتنظيم، بل إنه كان المُشكِّل الفكري لابن لادن نفسه".

الرجل الفعلي

ويتقاطع الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية نبيل البكيري مع ما ذهب إليه عبدالعال من كون الظواهري الخليفة القادم في إدارة القاعدة، ويضيف "الظواهري كان القائد الفعلي للقاعدة خلال السنوات العشر الماضية، وهو الرجل الفعلي الميداني الذي كان يتابع تفاصيل الحالة الداخلية بدقة".

ويضيف البكيري "بن لادن ابتعد عن كل ذلك، بعد مرحلة الملاحقات المستمرة منذ أحداث سبتمبر 2001، وأصبحت القاعدة تسير ضمن بصمات أو أيديولوجية الظواهري العسكرية، والذي يدل على ذلك طبيعة العمليات المسلحة التي استهدف من خلالها الجيوش الوطنية كما حصل في اليمن وغيرها من البلدان الأخرى"، وأضاف "إن مقتل بن لادن لم يكن مفاجئاً للقاعدة ذاتها، فالرجل تحول من مجرد قائد فعلي إلى صاحب كاريزما روحية".

وتقلل تحليلات سياسية ضمن الإطار السابق من عملية الأمريكان، كون مقتل زعيم تنظيم القاعدة، "لا يعني نهاية القاعدة، لأن الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري يلعب دورا أساسيا في عمل القاعدة، علاوة على ذلك فإن تنظيم القاعدة مؤسسة مترامية الأطراف أكثر منها مؤسسة ذات قيادة مركزية محكمة، وموت بن لادن لن يردع تنظيمات تنتهج نهج القاعدة من الاستمرار بنشاطاتها، وذلك ينطبق على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وعلى الناشط المرتبط بالقاعدة أنور العولقي".

فكر عنقودي

توجه الخبيران السابقان في التحليل، اتفق مع ما طرحه الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية المسلحة الجزائري مصطفى فرحات، في تصريحه إلى "الوطن"، والذي يتعلق بعلاقة بن لادن بالمجال الخارجي للتنظيمات المسلحة، وقال "فكر تنظيم القاعدة أضحى كالخلايا العنقودية المتناثرة، التي لا ترتبط بأي علاقات لوجستية، مع التنظيم الأم في أفغانستان، بل تحول إلى فكرة عالمية غير مركزية، تتبع في الأصل الفكر المسلح لا التنظيم الهيكلي الهرمي"، مدللاً بتجربة الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي ارتبط اسمها باسم القاعدة، ودارت التحليلات الرسمية حول "وجود علاقة لوجستية بين القاعدة في أفغانستان والجماعة الجزائرية، وهو ما نفته الأيام من أن الأمر مجرد فكرة جهادية لا أكثر".

ويضيف المحلل السياسي والخبير بالجماعات الإسلامية بالمغرب محمد ظريف في حديثه إلى "الوطن" أن القاعدة تحولت إلى أيديولوجيا، وعسكرت فكرتها، وقال "الحديث عن القاعدة وتشعباتها الخارجية، كان النصيب الأكبر منه في خانة المبالغة التحليلية"، موضحاً "أن المرحلة المقبلة ستشهد جماعات موالية للقاعدة أكثر راديكالية من السابق وسيتم توسيع إطار استهداف كل ما هو أميركي على مستوى الأصعدة عالميا"، ويرى الباحث ظريف أن "الاستراتيجية العسكرية للتنظيم لن تتغير".

الاستفادة الأميركية

وحول الاستفادة الأميركية، وإدارة الرئيس باراك أوباما، من العملية العسكرية التي استهدفت بن لادن، يشير محمد ظريف إلى القول " إن نبأ مقتل زعيم التنظيم ليس له أي قيمة استراتيجية في السياسة الخارجية الأميركية، أو حتى في تحولات ميزان القوى في الداخل الأميركي"، ويذهب بعد ذلك إلى التأكيد من "أن المستفيد الأكبر من هذه العملية هو أوباما شخصياً وحزبه الديموقراطي في الحصول على ولاية رئاسية ثانية في نوفمبر 2012، بهدف التأثير على الرأي العام الأميركي".

ما ذهب إليه ظريف في استفادة أوباما من "مقتل بن لادن"، في الانتخابات المقبلة يخالفه فيه تقرير سياسي مطول نشرته أمس صحيفة نيويورك تايمز للخبير الاستراتيجي نيكولاس كريستوف من أن هذه العملية "لن تساعد الرئيس الأميركي في انتخابات عام 2012"، معللاً ذلك بقوله "إن العامل الحاسم هو الاقتصاد ليس إلا، ويسوق حالة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب مثالا، حيث يقول إن بوش خرج من حرب الخليج كأكبر المنتصرين عام 1991، ولكنه خسر الانتخابات عام 1992 ولم تشفع له انتصاراته، لأن الاقتصاد كان يعاني في عهده من بعض التباطؤ.

حيثيات الملف الأفغاني

مقتل بن لادن في العملية العسكرية، ألقى بظلاله على الملف الأفغاني، حيث يطالب عدد من الأوساط السياسية بـ "إنهاء التورط الأميركي في أفغانستان والعمل على ترتيب اتفاقية بين حكومة قرضاي وطالبان"، حيث تتفق الحكومتان الأميركية والأفغانية إلى حد كبير على أن السبيل السياسي هو الأكثر نجاحا للخروج من المستنقع الأفغاني. إن اختفاء بن لادن من الساحة سيمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق من هذا النوع.

مستقبل العلاقات الأمنية

ظل ملف مستقبل العلاقات الأمنية بين إسلام أباد وواشنطن، محل جدل واسع بين الدولتين، و التي تراجعت كثيراً إبان اتهام الأمريكان لمجموعات في الاستخبارات الباكستانية بدعم الجهاديين، وانسحب ذلك على تقوية العلاقات مع الجارة "اللدود" الهند في تطور العلاقات العسكرية مع الأمريكان، كتعبير عن حالة السخط والاستياء الأميركي من تعامل باكستان مع ملف "مكافحة الإرهاب"، خاصة أن الأمريكان يعلمون أن الباكستانيين يعرفون جيداً تفاصيل "المشهد الجهادي"، بل هم أحد صانعيه في أوقات كثيرة، إلا أن الربع الأول من السنة الحالية، شهد اجتماعات مكوكية بين القادة الأمنيين، كان آخرها في أبريل الماضي حين التقى رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الأميرال مايك مولن بنظيره الباكستاني الفريق أول خالد شميم وين بمقر قيادة الأركان في روالبندي.




 القاعدة تواجه مأزق "كاريزما" الزعيم

القاهرة: جمال جوهر

سادت حالة متباينة ما بين التصديق والتكذيب، فورانتشار نبأ اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بين الأوساط السياسية المصرية، في وقت قالت فيه "الجماعة الإسلامية" و"الإخوان المسلمون" إن "ذرائع القوات الأميركية والبريطانية في العراق وأفغانستان انتهت بمقتل بن لادن، وبالتالي يجب على قوات الاحتلال الرحيل فورا من أرض المسلمين".

واتخذت السلطات الأمنية أقصى الإجراءات الاحترازية، لتأمين سفارات أميركا وبريطانيا وإسرائيل، ولوحظت قوات من الشرطة والجيش تأخذ مواقعها على الطرق المؤدية لتلك السفارات، كما أمرت وزارة الداخلية بتأمين جميع المنشآت التابعة لها في باقي المحافظات، ومقر إقامة السفراء.

وقالت جماعة "الإخوان المسلمين" إنها "ضد استخدام العنف بصفة عامة، وضد أساليب الاغتيالات، وإنها مع المحاكمة العادلة لأي متهم بارتكاب أية جريمة مهما كانت".

ويطالب "الإخوان"العالم والغرب شعوبا وحكومات بـ "التوقف عن ربط الإسلام بالإرهاب، وتصحيح الصورة المغلوطة عن عمدٍ، والتي سبق ترويجها سنين عدة"، مؤكدين على مشروعية المقاومة ضد الاحتلال الأجنبي لأي بلد من البلاد لأنه "حق مشروع كفلته الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، وأن خلط الأوراق بين المقاومة المشروعة والعنف ضد الأبرياء كان مقصودًا من جانب العدو الصهيوني بالذات".

وانتهت الجماعة إلى أنه "طالما بقي الاحتلال ستبقى المقاومة المشروعة، وعلى أميركا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي الإعلان سريعا عن إنهاء احتلال أفغانستان والعراق، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة".

ورأى منظر "الجماعة الإسلامية" ناجح إبراهيم، أن تفجيرات 11 سبتمبر التي ارتكبتها القاعدة، تسببت في احتلال أفغانستان، وجعلت أميركا تحارب الإسلام والإسلاميين فى كل مكان، لافتا إلى أن "وجود القوات الأجنبية الآن في العراق يكشف أهدافها الاستراتيجية الأخرى التي جاءت من أجلها".

وقال إبراهيم "رفضت معظم اجتهادات بن لادن فى حينها، ومع ذلك لم أكن أفضل أن يقتل على أيدي الأميركيين، وكنت أتمني أن يمد الله في عمره لمراجعة مواقفه الفقهية، الخاصة بالحرب في بلاد المسلمين، وقتل المدنيين".

ويرى إبراهيم "أن تنظيم القاعدة ضعُف منذ فترة طويلة، بدليل اختراقه أمنيا مما أدى إلي مقتل أربعة من قياداته في عامين، وبالتالي الحديث حول تأثر التنظيم بعد مقتل زعيمه محل اختلاف".

وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية عبد الرحيم علي إن "تنظيم القاعدة أمام مأزق كبير نظرا لأنه افتقد (الكاريزما) المتمثلة في بن لادن، خاصة في ظل عدم توافق على شخصية الرجل الثاني في التنظيم الدكتور أيمن الظواهري".

وأكد علي "أن مقتل بن لادن لن ينهي الإرهاب من الأرض، خاصة مع تبني كثير من التيارات المتشددة في بعض البلدان العربية لفكر القاعدة، وتنفيذ عمليات تحمل اسم القاعدة".

لكن الباحث المختص الآخر في شؤون الجماعات الإسلامية ضياء رشوان رأى أن "هزيمة أفكار القاعدة لم تتم على يد الولايات المتحدة، بقدر ما تمت على يد الثوار في الدول العربية الذين خرجوا ضد الديكتاتورية والاستبداد والهيمنة الأجنبية"، رغم أنه أقر بإمكانية أن تقوم بعض التيارات "الجهادية" بعمليات انتقامية ضد المصالح الغربية في المنطقة.

واعتبر خبراء ومثقفون مصريون تحدثوا إلى "الوطن" أن نهاية زعيم تنظيم القاعدة قد تفتح الطريق أمام صورة جديدة أكثراعتدالاً وتسامحاً للإسلام فى الغرب الذي خسر الكثير من جراء عمليات تنظيم القاعدة .

وقال الكاتب وأستاذ الإعلام الدكتور مرعي مدكور إن نهاية بن لادن لقيت ارتياحاً واسعاً فى الأوساط الغربية والعالمية بما يفتح مجالاً أوسع لتقديم صورة جديدة للإسلام أكثر تسامحاً واعتدالاً.

من جانبه أوضح أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الخبير محمد أن العمليات الإرهابية التى وقعت فى العديد من مناطق العالم ونسبت للقاعدة وزعيمها قد أسهمت بشكل كبير فى تشويه صورة الإسلام وتوتر العلاقة بين المسلمين والغرب بل ومن معاناة المسلمين في الغرب من ردات فعل عنصرية ضدهم، لذا "نأمل أن يتم استغلال تلك الأجواء الإيجابية لنهاية بن لادن في إنهاء حالة الاحتقان والتوتر لدى الغرب تجاه الإسلام" .

أما عميد كلية الإعلام بجامعة الفراعنة الدكتور فوزى عبد الغني فشدد على أن الإعلام الغربي لعب دوراً كبيراً في تضخيم شخصية بن لادن زعيم تنظيم القاعدة مما أكسبه الكثير من التعاطف في بعض الأوساط الإسلامية وخاصة لدى بعض التيارات التى وجدت في أفكار تنظيم القاعدة تطابقاً مع ما تتبناه من أفكار، وهذا ما قد يدفع لعمليات انتقامية من أهداف غربية وخاصة الأميركية رداً على عملية اغتيال بن لادن.