العالم اليوم يموج بالكثير من التطورات والتغيرات والمستجدات على مختلف المستويات، فهل لدينا التلقي الواعي لهذا كله. في أي مجتمع يعاني من صراع الأهواء والأفكار فتش عن الوعي، هذا الوعي الذي قد يكون تم استبداله بوعي ذي طابع تبريري يخلق أسطورة الأمة المثالية النبيلة أو الأمة الضحية وغيره من تبريرات الوعي المثالي. وينسحب تزوير الوعي على هذا النحو على أي مؤسسات تربوية أو إعلامية تجعل التفكير محصورا في اتجاه واحد، وتمارس التخويف الفكري في مخاطبة العقول، كأن تزيد مساحة الممنوع، حتى ليكاد الإنسان يقف خائفا مضطربا أمام هذا الخطاب التخويفي لا يعرف أي الطرق يسلكها، بين عقل يفكر وصوت يُسكت.
إن كل هذا كفيل بخلق جيل يرزح تحت وطأة شكل حياة اجتماعية وثقافية تكاد تكون بالنسبة له بمثابة عقاب أو اضطراب. ولن نحظى إلا بإنسان فاقد لبوصلة التوجهات الحقيقية في المجتمع، واقع في شراك الاستلاب والتبعية في تغييب مقصود للروح الواعية.
يصبح تزوير الوعي جزءا من حياة الإنسان حين تخلط المفاهيم وتطرح الحقائق كونها مسلمات بينما هي غير كاملة، ولا يكون تزوير الوعي هنا مرتبطا فقط بتعميم فكر واحد وتوجه واحد إنما يرتبط كذلك بتضييق القدرة على التفكير الحر ليظل الوعي محض توجيه لوعي مدبر. ولنا في التاريخ خير مثال، المعارف السرية "الحكمة الأصيلة" التي تم حجبها عن أغلبية الناس في جميع أنحاء العالم. وبهذا تلاشت المعرفة المتطورة تدريجيا نتيجة لتغييب الوعي، فإذا كان التاريخ يكتبه المنتصرون والمزورون، فإن هذا بالتأكيد إحدى ركائز الوعي التاريخي المكتوب والمخصوص لتسلكه البشرية، لهذا فإن حكمة "فتش عن الوعي" يجب أن تتبادر إلى الذهن وتصبح ضمن أولوياتنا.
إن تزوير أي وعي هو خطر على الهوية والتاريخ والإنسان، بل إنه يحدث تلك الانتكاسة على مستوى الموقف والحياة، ليظل الإنسان يدور في حلقة مفرغة، فغياب الوعي الحقيقي في أي مجتمع يبقيه ضعيفا أمام الظروف والمتغيرات، وهذا التغييب يمس مفهوم الحريات في صميمها.
جل ما نريده أن يُدرك أهمية الوعي الذي غَيبناه أو غُيبنا عنه، وأن ينظر إلى الوعي والحياة نظرة شمول وتكامل، وأن نهتم بتوعية الأذهان كاهتمامنا بتربية الأبدان.