الضربة التي وجهت إلى تنظيم القاعدة بمقتل أسامة بن لادن أثارت الحزن لدى أعضاء تنظيم القاعدة في كافة مناطق العالم ، من بينها اليمن، التي ينشط فيها التنظيم منذ العام قبل الماضي بشكل أوسع ونفذ العديد من العمليات، بعضها لم يحصد النجاح المطلوب، كما تعرض لعدة ضربات، بخاصة في المناطق القبلية في اليمن.
بدا الشارع اليمني منقسماً حيال مقتل بن لادن، فبينما أثار الخبر حزناً لدى البعض رأى فيه البعض الآخر "خبراً ساراً"، كما صرح به مصدر حكومي مسؤول، لأنه يزيح عن كاهل النظام عبئاً ثقيلاً. وعلى الرغم من أن موقفاً رسمياً باسم الحكومة اليمنية لم يصدر بهذا الشأن، إلا أن المسؤول نفسه أعرب عن أمله في أن يؤدي المزيد من الإجراءات إلى اقتلاع التشدد من جذوره، غير أن قياديا في تنظيم القاعدة في اليمن أعرب عن حزنه لمقتل أسامة بن لادن وتوعد بالرد.
واعتبر جهاديون سابقون مقتل بن لادن حدثا كبيرا قد يلقي بتأثيرات كبيرة على حركة الجهاد التي تقودها التنظيمات المتشددة التي تتخذ من العنف وسيلة للتغيير، خصوصا أن بن لادن كان يلعب الدور الأكبر في مسار هذه العمليات، ولم يصدر الجناح اليمني لتنظيم" القاعدة " في اليمن أي بيان بشأن مقتل بن لادن، وإن كان مراقبون يرون أن التنظيم يمكنه أن يصدر بياناً، فيما توقع خبراء في شؤون الجماعات الجهادية أن يؤثر هذا الحادث على خلاياه الناشطة في اليمن، بخاصة بعدما عاود مسلحو التنظيم شن هجمات مميتة في الأيام الماضية على قوات الجيش اليمني في محافظات أبين، حضرموت وشبوة، وأسفرت عن مقتل العديد من الجنود والضباط، بالإضافة إلى مقتل عنصرين قياديين في التنظيم.
وتوالت الهجمات على قوات الجيش اليمني أمس لليوم الثالث على التوالي، إذ أعلنت صنعاء مقتل جندي وإصابة ثلاثة في هجوم شنه مسلحو التنظيم الأصولي فجرا على دورية عسكرية في محافظة الحديدة الساحلية تلاه مواجهات أدت إلى مقتل القيادي في التنظيم الأصولي عادل العولقي.
وجاء ذلك بعد هجومين متزامنين شنهما مسلحون من تنظيم القاعدة واستهدفا مقرا حكوميا ودورية عسكرية في محافظتي حضرموت وأبين وأديا إلى مقتل سبعة جنود وإصابة آخرين.
ومن جانب آخر أكدت مصادر قريبة من الحكومة اليمنية وضع صنعاء قوات الجيش والأمن بحال استنفار قصوى في أرجاء اليمن تحسباً لهجمات إرهابية انتقامية قد يشنها " تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب"، انتقاما لمقتل زعيم التنظيم.
وأوضحت أن الداخلية اليمنية أمرت سائر الأجهزة الأمنية بتشديد الحراسات على المقار الحكومية ومقرات البعثات الدبلوماسية والمنشآت والمرافق الاقتصادية، والمطارات والموانئ ونشرت آلاف المسلحين ومئات الآليات في الطرقات بين المدن الرئيسية ومنافذ المحافظات إلى جانب تشديد الإجراءات الأمنية على الفنادق والمرافق التي يرتادها الأجانب.
مستقبل التنظيم في اليمن
يرى محللون مهتمون بالشأن اليمني أن مقتل بن لادن لن يكون له تأثير كبير على التنظيم على المدى المنظور، وقد يستوعب الضربة التي وجهت له أمس بمقتل أهم شخصية في التنظيم ويستطيع أن يعيد ترتيب أوضاعه وأوراقه من جديد ، مع فارق أن العدو الأول له سيكون الولايات المتحدة الأميركية بدرجة رئيسة.
ويقول الباحث في شؤون القاعدة والإرهاب سعيد الجمحي إن التنظيم يمكنه استيعاب الحدث الكبير وتجاوزه، باعتباره تنظيماً عقائدياً، كما أن بن لادن لم يكن له في السنوات الأخيرة دور ميداني، وكل خطبه كانت عبارة عن توجيهات وخطابات روحية ليس أكثر، وأنه ترك أمر القيادة الفعلية للرجل الأقوى في التنظيم وهو أيمن الظواهري.
ويرى الجمحي أن أيمن الظواهري سيكون المرشح الوحيد لتزعم التنظيم، وهذا ربما يدفع القاعدة إلى أن تصبح عدوانية أكثر، وستزداد إرهاباً، فالظواهري أكثر خبرة من بن لادن في كافة المجالات، فهو المنظر الأساس، وهو صاحب فكرة " القنابل البشرية".
ويقول الجمحي لـ "الوطن" إن تنظيم القاعدة سوف يعلن عن انتقامه من مقتل بن لادن ، لكنه لن يتمكن من تنفيذ هذا الانتقام بسرعة.
ويشير إلى أن تنظيم القاعدة ربما ينجح في شيء واحد جربه في وقت سابق ويتمثل في التنظيم عن بعد، أي إنه سوف يخلق عناصر له في العمق الأميركي.
ويبدو أن الضربة الأميركية ستجعل التنظيم يعيد حساباته في اليمن وفي الجزيرة العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام ، ويتوقع مراقبون أن يضعف تنظيم القاعدة في اليمن خلال الفترة المقبلة إذا ما كثفت الحكومة اليمنية أيا كانت، الحالية أو القادمة، من نشاطاتها ضده، سواء من حيث ملاحقة أعضائه الذين يتواجدون في بعض المناطق اليمنية أو عن طريق قطع الإمدادات البشرية القادمة إلى اليمن عبر الحدود وتجفيف مصادر الدعم المالي الذي يصل إلى هذه العناصر.
وبحسب الجمحي فإن هناك مبالغة في حجم وتأثير تنظيم القاعدة في اليمن، مشيراً إلى أن الأميركيين لم يعودوا يركنون إلى تقييمات الأنظمة العربية وأجهزتها الاستخباراتية، بخاصة بعد هجمات 11سبتمبر، وهم ، أي الأميركيون، صاروا على دراية بطبيعة الأوضاع في المنطقة العربية وبدأوا في التعامل مع تنظيم القاعدة بناء على معلوماتهم وليس بناء على معلومات غيرهم، وهذا اختراق كبير للاستخبارات الأميركية.
وحول التنسيق بين الولايات المتحدة واليمن بشأن ملاحقة تنظيم القاعدة يرى مراقبون أن واشنطن ستواصل تحالفها مع اليمن في مكافحة الإرهاب، سواء في ظل النظـام القائم أو النظام القادم بعد رحـيل الرئيس علي عبدالله صالح، لأن التعاون في هذه القضية ليس محصوراً في أشخاص، بل في عـلاقة واضحة بين دولتين لكـل دولة التـزامات تـجاه الدولة الأخرى.