عدم توافر الإحصائيات بأي شكل أفضل بكثير من تقديم إحصائيات مغلوطة وغير سليمة ربما تبنى عليها قرارات واستراتيجيات تكون مضللة للمخططين ولكل من يريد أن يتعامل مع قضايا الوطن التي يعد الحديث عنها حقا لكل مواطن مهتم وغيور على وطنه، بشرط أن يمتلك المعلومة الحقيقية وألا ينساق نحو الدخول في السباق العشوائي في إطلاق النسب والأرقام التي تعطي صورة غير صحيحة للواقع الحقيقي. فكثيرا ما يتم استخدام الإحصائيات والنسب المئوية ويتم تعميمها على المجتمع السعودي بكامله وبشكل يوحي بأن من أطلق هذه التعميمات يمتلك مصادر لا يرقى إليها الشك، فعلى سبيل المثال عندما يذكر أن نسبة الطلاق في المجتمع السعودي تبلغ 60% وتسأل من أطلق هذه النسبة هل هي من جميع الإناث في المجتمع؟ أم أنها من نسبة النساء فوق سن 18 عاما؟ أم أنها معدل نسبة صكوك الطلاق إلى صكوك الزواج المسجلة في وزارة العدل في آخر خمس سنوات؟ أم أنها نسبة هذه الصكوك في السنة الأخيرة فقط؟ أم أنها نسبة المطلقات في الألف امرأة في سن الزواج؟ أم ما هي؟ لا تجد إجابة! بل تفاجأ بأن من أطلق هذه النسبة لا يعرف أيا من هذه المعايير وليس لديه مصدر رسمي أو مستند علمي يمكن الاعتماد عليه. كما نجد من يقرر أن عدد العانسات السعوديات يبلغ ثلاثة ملايين، وآخر يصيح بأعلى صوته بأن نسبة التحرش الجنسي في المجتمع السعودي بلغت 50% ونسبة الفقر بلغت 80% وآخر يؤكد أن العنف الأسري يصل إلى 8% والأغرب من هذا كله أن هناك من أصدر إحصائية بأن عقوق الوالدين قد ارتفع في مجتمعنا بنسبة 100% هذا العام عن العام الذي قبله، ومصدره أنه اطلع على الحالات المدونة تحت مسمى "عقوق والدين" في منطقة معينة فوجدها حالتين فقط وكانت حالة واحدة في العام السابق فقرّر أن نسبة عقوق الوالدين ارتفعت بنسبة 100% في المجتمع السعودي ولم يذكر الرقم رغم أن الأمانة العلمية تحتّم عليه إيراد الرقم. عندما تطلب المصادر الإحصائية لهؤلاء تفاجأ بأنها انطباعاتهم الشخصية وأحيانا تقديرات تغلب عليها العشوائية والبعض منهم ينسبه إلى دراسة أو بحث قام به وعندما تفحص ما يصل إليك من هذه الدراسات تجدها غير مستوفية لشروط البحث العلمي السليم ولم يتم الالتزام بجميع خطوات البحث العلمي إما جهلا أو تكاسلا من الباحث، أو أنها أجريت على مجتمع بحثي محدود ولا تتحقق فيها شروط التعميم ولم يتوفر فيها التمثيل السليم، ومع ذلك يتم تعميم هذه النتائج بدون تحفظ، وهذه الطريقة تصنف على أنها جريمة علمية لأنها باطل بني على باطل.

نشر الأرقام والنسب والإحصائيات السليمة أمر ليس عليه اعتراض بأي شكل فمجتمعنا ليس ملائكيا وتوجد لدينا مشكلات وبأعداد لا تختلف عن غيرنا من المجتمعات، وقد يكون غياب الحقيقة حول هذه الإحصائيات من قبل الجهات المسؤولة هو السبب في تداول إحصائيات غير سليمة، وهذا لا يبرر أن نتساهل في الحديث عن قضايا وطنية بلغة الأرقام. ومن المعروف أن البحوث التي ترسم عليها سياسات اجتماعية وتبنى عليها استراتيجيات على مستوى الوطن يجب أن تفحص بعناية ويتم التأكد من مصداقيتها، لكن التهاون في هذه البحوث يعتبر جريمة علمية تصل إلى أن تكون مساسا بأمن الوطن ومسيرته الاجتماعية. ولهذا السبب، يوجد في معظم الجامعات الأميركية مركز متخصص يقوم بفحص وإجازة كل دراسة ينوي صاحبها تطبيقها في "المجالات البشرية" والغرض من هذا المركز التأكد من استيفاء الباحث للحد الأدنى من المتطلبات البحثية. كما أن بعض الدوريات المرموقة تطلب من الباحث أن يزودها بنسخة من البيانات الأصلية للتأكد من سلامتها واستيفائها للمنهج العلمي قبل أن تنشر ويطلق عليها اسم بحث أو دراسة.

وأخيرا، أناشد وسائل الإعلام ضرورة الامتناع عن نشر الإحصائيات التي لها مساس بالقضايا الوطنية ما لم تكن مشفوعة بمصدر رسمي أو علمي مع وجود آلية للتحقق من هذه الأرقام قبل إعلانها، فالتساهل في ذكر الإحصائيات والأرقام وإيرادها بدون تحفظ تترتب عليه سلبيات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.