يعد الأديب المغربي حسن برطال واحدا من أهم كتاب القصة القصيرة في المغرب، نجح في لفت الأنظار إليه بقصصه التي تتضمن قيما إنسانية وفنية وجمالية، جعلته يحتل مكانة متقدمة بين كتاب جيله. من أهم مؤلفاته "أبراج" و"حروف أبجدية" "واحدة من الأقزام"، في هذا الحوار يطلعنا حسن برطال على أسلوبه ولغته ومنهجه وتصوره للكتابة، وعن رؤيته للتحولات النوعية التي تشهدها الساحة الأدبية بالمغرب.

يقول النقاد إنك تكتب القصة القصيرة بعمق ودقة وأيضا بنوع من السخرية الهادفة، وإن قصصك مليئة بالأسئلة المقلقة وتتميز بكثافة لغوية وبلاغة رمزية عالية، كيف تقيم قصصك؟

ـ القصة القصيرة جدا هي في حد ذاتها قيمة مضافة ليست في حاجة إلى تقييم ما دامت تؤشر إلى أن هناك مضافا إليه يمتلك حقوق النسب إلى شجرة الأجناس الأدبية مع نوع من الاستقلالية في العمل والتعبير وفق آلياته وإمكاناته الخاصة.. متمردا على ظاهرة الاستيلاب والتبعية.. وعلاقتي بالقصة القصيرة ليست حالة بقدر ما هي ثمرة لتراكمات باطنية منها الفطري ومنها الموروث، فهي خليط من إيقاع شعري مع حدث وزمن السرد حيث يكون (القصر جدا) إبداعا له أهميته على مستوى سلطة القرار وليس (شكلا).

فحينما نتكلم عن النص الساخر والذي سرعان ما يتحول إلى كوميديا سوداء نرى أن القصة القصيرة جدا تتظاهر في وجه الابتسامة (الصفراء) ليستحيل النص جسدا (مُضحكا) وهذه هي السخرية الهادفة.. كما أن القصة القصيرة جدا جاءت لتبحث عن القلق في المتخيل ولا تُقلق بأسئلة ما، لأنها طبيب روحي وليست واقعا معيشا وهنا أتكلم عن الواقع كمصطلح بمفهومه الحديث والذي يأتي بصيغة (الجمع) وقائع، يعني تعاقبات زمنية نعيشها، أحيانا تكون بدون قاسم مشترك وهذه الحالة تتحدى أي (مرصد) يفتقد إلى سرعة الوميض.. أنا أعتبر أن القصة القصيرة جدا هي السيف المنتظر الذي يقطع الوقت قبل أن يقطعه.

ما هي شروط نجاح القصة القصيرة جدا؟

شروط القصة القصيرة جدا تتمتل في الوعي الإبداعي وليس (الثقافة) الإبداعية، لأن الزاد اللغوي وحده غير كاف لاختراق جدار الصد الرملي بجزيئاته الصغيرة المتماسكة، فالوعي الإبداعي بمعنى التجربة الاستكشافية والاحتكاك بالحرف يقوي من شخصية الكاتب أولا، لأن الكاتب القوي أحب إلى القصة القصيرة جدا من الكاتب الضعيف، لأنها تختار ما تحب وترفض ما يُملى عليها مستفيدة من ضيق المسافة التي ترفع من قيمة (التركيز)، وهذا التركيز يعتبر ركنا أساسيا للوصول بالشخصية إلى نقطة تكافؤ الفرص خلال مبارزة ثنائية (كاتب / مكتوب) والتي من المفروض أن تنتهي بفوز الكاتب للإعلان عن ميلاد نص قصير جدا .. وإلا فهناك العدم .. أما (الحرفية) بمعنى (الحس) الإبداعي فتمكن الكاتب من حسن استغلاله آلياته وأدواته لتحويل الحوار العمودي (كاتب/ نص) إلى حوار أفقي (كاتب / كاتب بحمولات نصه) مع ربط الاتصال والهيمنة على لغة التواصل والاستئناس كنقط الحذف والتمييز الاختزال والتكثيف، لأن القصة القصيرة جدا لا تكلم القارئ إلا (رمزا) وهذه السرعة في زمن الحدث تقصر في عمر النص وكأنه يفرض على كاتبه أن يعيش تعاقب أجيال وحضارات خلال رحلة زمنية قصيرة.

هل تعتقد أن القصة القصيرة جدا ستصمد في المستقبل؟ أم إنها لحظة إبداع عابرة؟

القصة القصيرة جدا صامدة .. ومستقبلها في قوة حاضرها وفي وقت وجيز حققت ما لم تستطع باقي الأجناس تحقيقه، فقد اكتسحت أغلب الملاحق الثقافية وساهم في ذلك قصر الحجم الذي تناسب مع قانون النشر.. والمستقبل يعني الزمن القادم .. يعني تحطيم الرقم القياسي بمعنى تكسير العدد أو السعي وراء العدد الكسري ولغة الحساب والكلمة المختزلة .. إنها القصة القصيرة جدا.

يعرف المغرب وفرة من إنتاج القصة القصيرة.. كيف تفسر هذه الظاهرة ؟

وفرة الإنتاج المغربي على مستوى القصة القصيرة اعتبرها ظاهرة صحية، لأن التراكم والكم عامل أساسي لتلقيح "بويضة" الإبداع .. فشعور المغاربة بأن القصة القصيرة جدا هي أقرب جنس أدبي إليهم لأنهم شعب محب للاختصار.. ليس بثرثار.. غير كتوم، لأن الثرثارين هم أشد الناس حرصا على الأسرار.. يتكلمون كثيرا ولا يقولون شيئا بالإضافة إلى روح الدعابة والنكتة والتي لا تجد ضالتها إلا في هذا الجنس الأدبي.

هل تواكب القصة القصيرة المتغيرات والتحولات العميقة التي يعيشها المجتمع المغربي؟

نعرف أن الواقع يِؤثر في الفكر.. وبما أن كل وجوه الفن والإبداع هي بنيات فوقية تكون انعكاسا لبنى تحتية والقصة القصيرة جدا كوكب من الكواكب السيارة التي تدور في فلك هذا الطرح بل تتعداه حتى تخوم التقييم والتقويم وليست المواكبة فحسب، لأنها وصفة علاج قبل أن تكون كاشفة ألغام باطنية .. ومما يساعدها على ذلك هو بناؤها الفني الذي يعتمد على النهايات الصادمة واقتناص اللحظات المنفلتة، ونحن نعرف أن لكل صعقة ردودا إيجابية على الجسد والصدمة تدخل في هذا المجال.. وإذا كانت الأيام تتداول بين الناس..ونمط العيش يتغير وفق متتاليات هندسية سريعة فلا مناص هنا من القصة القصيرة جدا وتكون هي أولى من غيرها بالتقاط هذه الصُوَر، نظرا لقدرتها على خلق وميض يخترق الجسد كأشعة الليزر.. فالفيل مثلا لا يمكنه أن يتسلل عبر ثقب المفتاح .. يأكل من فتات الموائد أو يقاسمنا فراش النوم ولكن النملة بإمكانها أن تفعل ذلك .. إنها القصة القصيرة جدا حينما تكون في صورة حكمة .. مثل أو نكتة تصبح قريبة من نبض القلب.

كيف يمكن أن تؤثر الثورات العربية على الأدب بصفة عامة ؟

الثورات العربية اعتبرها ثورات بركانية قبل كل شيء لارتباطها بجغرافية المكان دون أن ننسى الزمن .. فالحمم التي تُقذف إلى السطح تكون نتيجة ارتفاع ضغط باطني.. هذه هي الثورة العربية، تنطلق من الأحشاء.. من المعدة لنتقيأ إبداعا من دمنا يكون مداده أحمر يرسم لوحات كاريكاتيرية على "اليافطات" المرفوعة، ويكتب شعرا مع الشعارات يمس العاطفة والوجدان ليمهد بالتالي للحظة الاختراق في اتجاه ضفة التغيير وليس الإصلاح فحسب.. الثورات العربية في زيها الحديث وتبنيها لمبدأ الهدم لإعادة البناء من جديد.. وكذلك (الإطاحة) .. والدعوة إلى (الرحيل) سابقة تتجاوز العقل البشري وهذه الوخزة لابد أن يكون لها تأثير إيجابي.

هل أنت راض عن مستوى القراءة في المغرب؟

القراءة في العالم العربي عموما وفي المغرب الأقصى خصوصا لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وبعيدا عن النعوت كالتدني والعزوف والتي لا يمكن الحديث عنها بحكم أنه لم يسبق للتاريخ أن سجل رقما مهما على مستوى اهتمام القراء، ولو تحدتنا على التدني والعزوف في بحر هذا التطور التكنولوجي على مستوى المنشورات الورقية والرقمية وبحضور إشعاع إعلامي وحركة توزيع وخصوبة حقل المكتوب بما فيها الصحافة والإبداع بجميع أجناسه إلى جانب حرية الرأي والتعبير فماذا عسانا أن نقول عن الفترة السابقة، حيث كانت تنعدم كل هذه الأشياء ... لم يسبق للمنتوج الفكري أن خلق حوارا اجتماعيا أدخله في علاقة حميمية مع المتلقي والسبب في ذلك هو سوء التغذية الروحية الذي يعاني منه المجتمع والذي يؤدي إلى هزال الجسد الذي يجعله عاجزا عن صد اللكمات..المجتمع بدون قراءة تساير الإيقاع لسان مقطوع.. يصبح مجتمعا أخرس بدون ذخيرة كلامية تصنع فردا مثقفا يكون أدرى من غيره بمشاكل بلاده.. باختصار أن انعدام القراءة سبب هذا الانحلال والتفسخ الذي امتد إلى تخوم النفس وبالتالي إلى تفشي ظاهرة الفرد السلبي.