حتى لا تضيع القضية في التفاصيل أبدأ بثلاث توسلات لأمراء المناطق ووزارة الإعلام والوزارات المعنية بالأطفال والشباب (التربية ورعاية الشباب).. وسبق أن كتبت مقالين منفصلين مرتبطين بموضوع واحد هو فكر الشباب، الذي أخشى عليه من التلوث بسبب ألعاب الشبكات والفراغ.

أولاً أرجو من أصحاب السمو أمراء المناطق أن يكلفوا مجالس المناطق لديهم بدراسة محتوى ألعاب الشبكات الموجودة في مدننا والمفتوحة على مدار الساعة، وبناء على النتائج يقررون ما يرونه بشأنها. لأنه يبدو أن ما كتب في السابق حول هذا الموضوع قد نُظر إليه على أنه كلام صحف. وأقول أمراء المناطق تجنباً للبيروقراطية، وحتى يكون الإشراف مباشراً والقرار حاسماً وكسباً للوقت. والثاني لوزارة الإعلام التي تفسح مثل هذا النوع من النشاط الإعلامي التجاري، أن اتقوا الله في فكر أبنائنا. والثالث لوزارة التربية ورعاية الشباب أن أوجدوا البديل لهذا النشاط المدمر بأنشطة تحافظ على مبادئ وقيم وأخلاق بلادنا النقية الصافية. ألعاب الشبكات يقضي فيها الأطفال والشباب أوقاتاً طويلة يمارسون ألعاب الحرب والاقتتال التي تؤدي إلى تنامي روح العنف والعداء وحب الانتقام والمشاجرات. حيث يظهر في كثير من الألعاب القتل بجميع أنواعه وأشكاله وتقطيع الأجساد بشكل واضح بجميع أنواع الأسلحة وأشكالها.

ونسأل! أسئلة بريئة وبسيطة: هل تعلم الجهة التي أصدرت الترخيص بمحتوى هذا النشاط التجاري قبل فسحه؟ لا نردد المقولة الشهيرة في مثل هذه الحالات ولكن نقول ها هي قد علمت الآن فلماذا السكوت؟ وسؤال آخر: لماذا يضطر الأطفال والشباب للذهاب إلى هذه الصالات؟ أبسبب عدم وجود البديل أم بسبب شدة جذبها حتى أصبحت إدمانا؟ هذه هي الأسئلة التي نريد الإجابات عنها..

هذه الصالات وما يمارس فيها من عبث هي شر ووبال على أطفالنا وعلى شبابنا ومجتمعنا وعلى وطننا بأكمله، لأسباب كثيرة منها الظاهر ومنها الخفي. ومن أهم ما يظهر لنا من تلك الأسباب ما يأتي:

أولاً: بالإضافة إلى كونها ألعاب حرب واقتتال فإن فيها إدمانا لها وللألعاب التي يمارسونها إلى درجة التعلق بها.

ثانياً: ضياع الوقت، ليس فقط فيما لا ينفع بل ضياع الوقت فيما يضر..

ثالثاً: ضياع المال.

رابعاً: قد يصل الأمر إلى تعلق الأبناء برفقة غير مناسبة ولا تتناسب مع أعمارهم، ففي هذه الصالات تختلط كل الأعمار، ولكم أن تتصوروا طفلاً عمره 12 عاماً مع شاب عمره 18 عاماً بشكل فوضوي وبدون أي نوع من الرقابة.

ألعاب الشبكات هذه نوع من الإدمان الذي لا أظنه يقل خطراً عن أي إدمان آخر. وأبناؤنا يتعلمون في مدارسنا في أول النهار القيم الإسلامية الصافية مثل المحبة والسلام والتسامح وكذلك منا كأولياء أمور، ثم يذهبون في آخر النهار إلى صالات ألعاب الشبكات التي تدمر كل القيم التي تعلموها. اذهبوا إلى تلك الصالات وستصابون بالذهول مما ترون. فوضى عارمة، روائح نتنة، والله الساتر مما لا نعلمه من أمور أخرى هي شر ووبال كبير عليهم. هذا ما خفي عنا، لكن الظاهر لنا سيئ جداً، بل في منتهى السوء. فالشباب في عمر الورود من سن الحادية عشرة أو أقل بقليل إلى سن الثامنة عشرة يتواجدون هناك لساعات طويلة تصل إلى عشر ساعات، وأثناء وقت الصلاة تغلق الأبواب عليهم داخل تلك الصالات.

مراهقونا يمتلكون فراغاً كبيراً تدل الظواهر على أننا لم نتمكن بكل مؤسساتنا الرسمية وغير الرسمية من التعامل معه بنجاح.. مراهقونا وشبابنا بين البيت الذي لا يعرف أين يذهب أبناؤه ومع من يذهبون وماذا يعملون، وبين مؤسسات لم يعد ما هيأته لهم من الأماكن والبرامج كافياً لجذبهم إليها وقضاء أوقات ممتعة ومفيدة فيها. وقد أجرؤ على القول إن دور البيت بدأ يضعف في ظل العولمة التي نعيشها، والتي أصبح فيها مصدر الفكر متبدلا ومتغيرا وخطرا ومتناقضا، وأصبح من المتعذر على البيت أن ينفرد بالتصدي لمشكلات أبنائه المعاصرة، وأصبح دور المؤسسات التي ترعى الشباب بالأنشطة الفاعلة الرياضية والثقافية والاجتماعية كبيرا، وأصبح دور المؤسسات التي تربي الشباب وترعى فكرهم مهما، وأصبح الحسم والحزم أمرين مهمين في أهمية اتخاذ القرار، أولاً بالتعرف على المشكلة ثم الحزم في اتخاذ قرار العلاج. أصبحنا نرى في مجتمعنا سعوديين بأشكال وملابس مزرية لا تليق بهذا البلد الطاهر ولا بأهله، شعور طويلة بشكل مقزز.. ملابس ضيقة مفتوحة الصدر، ثياب مزركشة وبعضها "محزَّز"، أخشى أن يدفعنا مبدأ الحرية الشخصية الذي أسكتنا على الممارسات السابقة إلى ممارسات أشد فتكاً بمثلنا وقيمنا وأخلاقنا ثم تصبح كالسيل الذي لا يمكن صده.

خلاصة القول، يبدو أن البيت غائب وما تقدمه مؤسسات المجتمع الرسمية وغير الرسمية ليس كافياً. البيت وبإمكانياته غير المتخصصة ـ حتى وإن كان الوالدان متعلمين ـ عاجز عن عمل شيء يذكر سوى المواجهة مع المراهق التي قد تؤدي إلى حلول عكسية، قد يقول قائل البيت يربي تربية حسنة وستكون النتيجة حسنة، هذا كلام صحيح في ظاهره لكنه ليس واقعيا.. البيت اليوم يحتاج لمساعدة لأنه لم يعد المصدر الوحيد للتربية ولا للفكر. هذا ما يجب أن ندركه ونعلمه ونتصرف على أساسه، وإلا بقينا نعلق آمالاً على من لا يستطيع تحقيقها.. البيت يمكن أن يساعد ولا يمكن أن يقوم بالمهة كاملةً.. ومن هنا أصبح دور المؤسسات أكثر أهمية، لا بد أن تنسق المؤسسات المعنية مع بعضها في الدراسة وفي النتائج وفي الحلول.

شبابنا هم أغلى وأنفس ما نملك وأغلى وأنفس ما يملكه الوطن. إنهم يضيعون في صالات ألعاب الشبكات ويضيّعون أوقاتهم، لقد أصبحوا مدمنين عليها، وبناء على ذلك أظن أنه ليست هناك من قوة تمنعهم من ارتيادها ما دامت مفتوحة الأبواب مهما كانت شدة وقساوة والديهم. ولهذا السبب فإن الحل يكمن في قوة السلطة التي تملك الحل الحاسم والحازم في هذه القضية.

شبكات الألعاب والصالات التي تمارس فيها تلك الألعاب يجب الالتفات لها.. والشباب وفكرهم أمانة لدى الوطن بكل فئاته. يتطلب الأمر إجراءات عاجلة وحاسمة تبدأ بدراسة المشكلة للتعرف عليها ثم الحسم والحزم في علاجها.

ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.