توج خادم الحرمين الشريفين قرار إنشاء وزارة الإسكان بتقديم دعم سخي بلغ 250 مليار ريال تصرف على مدى خمس سنوات لتوفير سكن ملائم للمواطن. توقع الخبراء أن تكفي هذه المبالغ لإنشاء 500 ألف وحدة سكنية. تبلغ تكلفة الوحدة حسب هذه الإحصائيات 500 ألف ريال. المعلوم أن الاحتياج القائم يتجاوز مليون وحدة سكنية، وهو مرشح للارتفاع بمعدل يتجاوز مائة ألف وحدة سنوياً، فكيف يمكن سد هذه الفجوة؟ أسئلة مشروعة أخرى تشمل: لماذا اعتمدت الوزارة مفهوم بناء الشقق فقط؟ ولماذا تعمل الوزارة بمعزل عن سوق الإقراض العقاري؟ وما علاقتها بجهات أخرى كصندوق التنمية العقارية ومؤسسات الإسكان الخيري؟

المؤكد أن المسؤولين في وزارة الإسكان درسوا التجارب العالمية في مجال حلول الإسكان العام، من ناحية الآليات والتوجهات والإجراءات والسياسات والأنظمة. يتمنى أي مخطط في العالم أن يتوفر له مبلغ مثل الذي خصص لوزارة الإسكان، استخدام هذا المبلغ بالطريقة العلمية الصحيحة سيحقق نتائج باهرة.

نسبة تملك المساكن في الولايات المتحدة تبلغ 66%. تصل النسبة إلى حوالى 80% في أستراليا. بينما تبلغ النسبة في المملكة 30% هذا يعني أن المشكلة متجذرة، وتحتاج إلى حلول تجتثها. يمكن أن تساهم الخطوات التالية في زيادة نسبة تملك المساكن وبسرعة:

- لابد أن تفرض الدولة رسوم على المناطق غير المطورة داخل المدن وتحول الإيرادات لمصلحة الجهة المسؤولة عن الإسكان.

- تقوم الوزارة بتقنين سوق تمويل "إقراض" عمليات بناء وتملك المساكن. السيطرة على عمليات تمويل الإسكان هي السبب الأهم وراء نجاحات حققتها برامج الدول المتقدمة في المجال. أولى تجارب الولايات المتحدة كانت من خلال إنشاء الوكالة الفدرالية لتمويل الإسكان المعروفة عالمياً بـ " فاني ماي " عام 1938م. هذه الوكالة قامت بطرح جميع قروض الإسكان في السوق على شكل سندات، ضمن هذا الإجراء وجود مبالغ كبيرة في سوق سندات الإسكان. كما أعطى الوكالة صلاحية تحديد نسب ربح معقولة على قروض الإسكان باعتماد الربح البسيط وليس المركب الذي تتعامل به بنوكنا.

- تكوين الهيئة العامة لتمويل المساكن العامة. يفترض أن توقف الوزارة جميع البنوك عن إقراض عمليات تملك المساكن إلا من خلال هذه الهيئة. يمكن أن تساهم البنوك بناء على نسب تحددها الهيئة وأرباح تقررها، حسب وضع السوق و إمكانيات المواطن. بهذه الطريقة نضمن توفير فرص متساوية لجميع المواطنين في الحصول على القروض بناء على قواعد موحدة تحفظ حقوق المقترضين وتكون تحت سيطرة الدولة. كما تحقق البنوك نسباً معقولة من الأرباح.

- تُضم جميع الجهات الحكومية والخيرية التي تعمل في مجال الإسكان لهذه الهيئة, هذه الخطوة ستساهم في تمكينها من رفع نسب ملكية المساكن بشكل يتوافق مع نسبة زيادة أعداد الأسر في المملكة والتوزيع العادل للمساكن حسب الكثافة السكانية. تضمين المساكن التي تقدمها الجهات الخيرية في برامج الإقراض التي تسيطر عليها الوزارة يضمن المصداقية والتوزيع الجغرافي والاقتصادي المناسب لهذه المساكن، بحيث يمكن الوصول إلى فئات دخل تحصل على مساكن دون مقابل مادي.

- تحدد الهيئة قيمة القرض المقدم للمواطن بناءً على ثلاثة متغيرات أساسية هي: الدخل وعمر المقترض والتزاماته الأخرى. كما يمكن أن تحدد الهيئة نسبة معينة من دخل المقترض لا يمكن تجاوزها، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة. هذا يوفر إمكانية تحديد مبالغ الحسم حسب مستوى الدخل.

- يتم تداول القروض السكنية من خلال سندات تصدرها الهيئة. يُعطى المقترضون فرصة استبدال مساكنهم في حالة الانتقال من فئة دخل إلى فئة أخرى، أو عند الانتقال من مدينة إلى مدينة أخرى.

تنفيذ عمليات إنشاء المساكن من خلال مشاريع تنفذها الوزارة من ميزانيتها إجراء أشك في جدواه الاقتصادية. الأسباب عديدة أهمها أن هذا سيولد حالة بيروقراطية ترفع مصروفات الوزارة بما يؤثر على مشاريع الإسكان. كما أن المشاريع الحكومية تكون تكلفتها عادة أكبر من المشاريع الخاصة. يضاف إلى ذلك أن هذه المشاريع ستتطلب مصاريف إضافية قد تتجاوز المبالغ المعقولة عند قسمتها على أعداد الوحدات مثل إنشاء البنية التحتية من الطرق والخدمات.

يجب أن تقوم الهيئة بتمويل شراء الوحدات السكنية بالاستفادة من النماذج العالمية والنماذج المحلية. تجربة ماليزيا في تمويل مساكن محدودي الدخل جديرة بالدراسة وهي تعتمد على التعامل مع المقترض مباشرة؛ بحيث يقوم فريق من الهيئة بتقويم المسكن المطلوب والتأكد من مطابقته للشروط التي تحددها الهيئة ومن ثم تقوم بشراء المسكن وتموله على المقترض بحيث لا تدخل الدفعة الأولى في إجمالي القرض المستحق الذي تحدده الوزارة، بناء على المعايير الثلاثة المحددة أعلاه.

النماذج المحلية جديرة - كذلك - بالدراسة. تجربة شركة أرامكو ناجحة جداً. حتى إن مواصفات أرامكو في المساكن أصبحت تستخدم كوسيلة لتقويم الشراء المباشر للوحدات حتى من خارج مستحقي قروض الشركة. هناك تجارب للهيئة الملكية للجبيل وينبع وسابك والاتصالات السعودية وشركات أخرى. المهم أن تكون مواصفات الهيئة على مستوى عالٍ وأن تراعي حماية البيئة وتحقق أغراض اقتصادية في أسلوب البناء واستهلاك الخدمات.