من ظن أن ثورات الربيع العربي ستكون كيمياء تخفي العوز والفقر والبطالة، فهو مخطيء. ومن اعتقد أن الحرية والديموقراطية ستولد في أعقاب ربيع ليبيا ومصر وتونس، فهو لا يعي واقع المجتمعات التي اجتاحها الربيع منذ حوالي السنة.

الربيع أسقط أنظمة ديكتاتورية ومستبدة، لكنه لم يؤسس لاقتصاد سليم وحركة سياسية واضحة. والاعتقاد السائد لدى الفئات المجتمعية المختلفة إن الثورة ستغير كل شيء، حق من حقوقها، ولكن الحراك الاجتماعي يبقى صمام الأمان الذي يدير الدفة نحو مقصدها الصحيح، وليس الاتكال على قوى الثورة فقط.

ما يجري في ليبيا اليوم لا يطمئن أبناءها. فالسلاح الذي انتشر في أيدي المواطنين والثوار، أصبح عبئا على النظام الجديد، وبات السعي إلى جمعه لب المشكلة التي يواجهها قادة طرابلس. فكل يوم اشتباك بين زعماء الشوارع والأحياء، لا بل أصبحت ليبيا مقسمة إلى جهات وقبائل، كل طرف يدعي انتصار الثورة على يديه، ويطالب بمغانم السلطة.

بالأمس توفي في تونس محمد بوعزيزي جديد، أحرق نفسه أمام المقر الرئيس لمحافظة قفصة، والسبب البطالة، وقبل ذلك أقدم عدد من التونسيين على إحراق أنفسهم للغاية نفسها. وبالأمس أيضا توفي أردني أحرق نفسه احتجاجا على البطالة والعوز.

ربما كان الهدف، تقليد بوعزيزي، ولكن السبب غير المباشر، إن هذا السلوك، هو رفض للواقع الجديد الذي لا يختلف كثيرا عما سبق.