أعلنت الصين هذا الأسبوع أنها ستسمح لليوان بالارتفاع، بنسبة محدودة، بعد رفضها للفكرة لمدة طويلة. وقد كتبتُ منذ أسابيع عن الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين، التي تسعى من خلالها الولايات المتحدة إلى الحد من وارداتها من الصين، وسلاح هذه الحرب هو التهديد برفع الرسوم الجمركية على الواردات من الصين ما لم تسمح الصين بارتفاع سعر صرف اليوان، الذي ترى الولايات المتحدة أنه مقيم بأقل من قيمته الحقيقية.

وأصبح من الشائع أن يتحدث الساسة الأمريكيون عن الأضرار التي تسبب فيها انخفاض سعر صرف اليوان، ويلقوا باللائمة على الصين في ارتفاع البطالة واستمرار الكساد الاقتصادي، بسبب انخفاض أسعار صادراتها إلى الولايات المتحدة الناتج عن انخفاض قيمة اليوان. ويساند عدد من دول الاتحاد الأوروبي التوجه الأمريكي إلى حد كبير، وتلقي باللائمة على الصين أيضاً في استمرار فترة الكساد فيها.

ومثل هذه المواقف السياسية أمر معروف ومتوقع، فالساسة يسعون قدر المستطاع إلى البحث عن عوامل خارجية يستخدمونها ككبش فداء يفسر فشل قراراتهم. وكبش الفداء هو تارة دول البترول، وتارة أخرى الدول النامية التي تنخفض فيها تكلفة الإنتاج، ووجدوا في الصين – العملاق الاقتصادي الجديد – ضالتهم، يجعلونها سبباً لكل ما يحل بهم من مشاكل.

ولكن المستغرب أن صندوق النقد الدولي، وأكثر من ذلك علماء مرموقين، قد دخلوا في هذه المعمعة وتبنوا الموقف القائل إن الاستقرار العالمي أصبح يتوقف على رفع سعر صرف اليوان. ونجد اقتصادياً مشهوراً مثل البروفيسور بول كروجمان، الكاتب الصحفي والحائز على جائزة نوبل، يلوم الصين على البطالة في أمريكا، ويقول في أحد مقالاته إن الصين تسببت في فقدان (1.4) مليون أمريكي وظائفهم، ويدعو إلى فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الصينية، ما لم تقم الصين برفع سعر عملتها.

وقد رفضت الصين فترة من الوقت الرضوخ لهذه الضغوط ولكنها الآن وافقت على السماح لليوان بالارتفاع بنسبة محدودة، وهو ما لن يرضي الولايات المتحدة في الأغلب، حيث تطالب برفع سعر صرف اليوان بنحو 25% مقابل الدولار.

ومع أن كروجمان من أفضل المحللين والكتاب الاقتصاديين، الذين أحرص على قراءتهم وأستفيد من تحليلاتهم، إلا أن من الصعب من الناحية التحليلية قبول استنتاجاته بشأن تأثير سعر الصرف، وفرضية أن رفع سعر اليوان سيكون مفيداً بلا تحفظ لشركاء الصين التجاريين، خاصة الولايات المتحدة وأوروبا، ولن تكون له تبعات قد تفوق أي فائدة وقتية يحققها رفع سعر اليوان.

والخلاف مع كروجمان ليس فقط في معارضة الحماية الجمركية من حيث المبدأ، في بلد صناعي عريق مثل الولايات المتحدة لا تحتاج صناعاتها إلى حماية، بل هو في أن تحليله لم يُستكمل ولم يحسب جميع التأثيرات الممكنة، سلباً وإيجاباً، لرفع سعر صرف اليوان.

فصحيح، كما يقول كروجمان، أن رفع سعر اليوان سيؤدي إلى رفع سعر السلع الصينية في أمريكا، وبالتالي يتيح الفرصة للسلع الأمريكية القريبة في السعرأن تنافس وتصبح أرخص من السلع الصينية، ولكن ذلك صحيح فقط على المدى القصير. فعلى الاقتصادي ألا يأخذ بعين الاعتبار النتائج الآلية، بل يأخذ بعين الاعتبار النتائج طويلة المدى، خاص ما يُسمّى بتأثيرات الأسعار التقاطعية cross-price effect وأسعار البدائلsubstitution effects، وتأثيرات الدخل income effects على الطلب.

ذلك أن ارتفاع أسعار الواردات الصينية، لدى رفع سعر صرف اليوان، يعني ارتفاع معدلات الأسعار بشكل عام، وليس سعر السلع الصينية فقط، فبدلاً من أن تعمل تلك السلع كعامل ضغط على الأسعار نزولاً، سيؤدي رفع أسعارها إلى الضغط على مؤشر الأسعار صعوداً، مما يعني ارتفاع معدل التضخم، وأثر ذلك على الدخل الحقيقي للمواطن ورفاهه، مما يعني أن قدرته الشرائية قد انخفضت بسبب ارتفاع الأسعار، فضلاً عما يؤدي إليه ارتفاع معدل التضخم من تأثيرات متشعبة وطويلة المدى، تدخل في كل قطاع، عن طريق التأثير على أسعار عوامل الإنتاج والأجور وغيرها. وعلى وجه الخصوص قد يؤدي التضخم إلى ارتفاع أسعار الفائدة، مما سيؤثر سلباً على قدرة القطاع الخاص والمواطن على الاقتراض، وبالتالي استمرار الكساد الاقتصادي.

فهناك إذن تأثيرات مختلفة ومتعارضة لرفع سعر اليوان، مما يجعل معرفة مجمل تأثيره، أو محصلته، غير مؤكدة، بل قد يكون الاحتمال الأقرب أن رفع سعر اليوان قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مصلحة لبعض الشركات المنافسة في الولايات المتحدة وأوروبا، أما المواطن العادي في أمريكا وغيرها من الدول المستوردة من الصين، فقد يتضرر كثيراً من رفع أسعار السلع الصينية، مما قد ينعكس سلباً – في المحصلة - على الاقتصاد العالمي ككل.