لتنمية الصادرات غير النفطية وتطويرها، وحماية الاستثمارات وتقديم المساعدات الإدارية والفنية والاستشارية والحوافز للمصدرين، وافق مجلس الوزراء في 5 مارس 2007 على إنشاء هيئة تنمية الصادرات السعودية.
نحن اليوم في أمس الحاجة لمثل هذه الهيئة لكي تصل منتجاتنا الوطنية إلى الأسواق العالمية دون عوائق فنية أو إجراءات حمائية تعسفية، ولكي نتصدى لدعاوى الإغراق وقضايا الدعم التي أقلقت مضاجع مصانعنا وصادراتنا.
في العام الماضي تراجعت الصين عن قضية الإغراق المرفوعة ضد المنتجات السعودية، وفي الأسبوع الماضي تراجعت الهند عن تطبيق الرسوم الجمركية التعويضية بنسب متفاوتة على منتجات "البولي بروبلين" المصدّرة من السعودية إلى الأسواق الهندية.
منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية قبل 10 أعوام، استأثرت الصين بأكثر قضايا الإغراق المرفوعة ضدها، حيث فاق عدد المنتجات الصينية المتهمة بإغراق الأسواق العالمية 4000 منتج من كافة أنواع السلع الكهربائية والإلكترونية والبلاستيكية والغذائية والدوائية والمنسوجات والملابس.
خلال العام الماضي فقط وصل عدد دعاوى الإغراق المرفوعة ضد الصين 500 قضية من قبل 30 دولة، خسرت الصين 86% من هذه الدعاوى وتكبدت ميزانيتها أكثر من 11 مليار دولار، وما زالت الدعاوى الأخرى رهن التحقيق في هيئة حسم المنازعات التجارية بالمنظمة.
ومنذ إنشاء منظمة التجارة العالمية في 1 يناير 1995، أصبحت الهند على رأس قائمة دول العالم استخداماً لاتفاقية مكافحة الإغراق. خلال الأعوام الثلاثة الماضية رفعت الهند 526 قضية ضد 56 دولة، وذلك في محاولة منها لحماية المنتجات الهندية من المنافسة وتخفيف وطأة التباطؤ الاقتصادي الذي أصابها.
عندما رفعت الصين دعوى الإغراق ضد مصانع الورق الأميركية في يناير 2006، استهجنت أميركا هذا التصرف الصادر عن دولة ارتبط اسمها بمختلف أساليب الإغراق، ولجأت فوراً إلى القضاء التجاري للتأكد من نظامية الدعوى، فتراجعت الصين عن قرارها خلال 48 ساعة واعتذرت لأميركا.
وعندما بدأت الهند في ديسمبر 1999 بالتحقيق في قضية إغراق منتجات اللحوم الأسترالية لأسواقها، تصدت أستراليا لدعوى الهند وأصدرت قرارها الصارم بحظر دخول العمالة الهندية لأراضيها. بعد أقل من 12 ساعة تراجعت الحكومة الهندية عن قضيتها وقدمت اعتذاراً رسمياً للشركات الأسترالية المتهمة بالإغراق.
خلال السنوات العشر الماضية استخدمت الهند والصين شتى الوسائل لإثبات واقعة الإغراق ضد منتجاتنا السعودية. في يوليو 1999 فشلت الهند في قضيتها المرفوعة ضد منتجاتنا البلاستيكية، وفي مايو 2000 تراجعت الصين عن قضيتها ضد منتجاتنا من الصودا الكاوية. في فبراير 2001 فرضت الهند الرسوم المؤقتة على مادة "هيكسامين" السعودية، وفي سبتمبر 2002 اتهمت الصين مصانعنا المعدنية بالإغراق. في أغسطس 2003 اتهمت الهند منتجات "بي في سي" السعودية، وفي نوفمبر 2008 فرضت الرسوم التعويضية على منتجاتنا الحديدية.
جميع هذه القضايا باءت بالفشل الذريع لأن الهند والصين أخفقتا في إثبات العلاقة السببية بين الضرر الجسيم الواقع على الصناعة الهندية والصينية وهامش الإغراق السعودي المزعوم.
من خلال هذه القضايا كانت الهند تسعى إلى تعديل بنود اتفاقية انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية الخاصة باستخدام المزايا التنافسية. في 1 ديسمبر من العام الماضي نشرت مجلة "بلوم برج" الاقتصادية اعتراف الحكومة الهندية بأن قراراتهم صدرت لمعاقبة منتجاتنا البتروكيماوية بسبب تمتعها بالميزة التنافسية. هذا الاعتراف يتعارض مع قواعد وأحكام النظام التجاري العالمي، الذي طالما شّجع وحث الدول على استخدام مزاياها التنافسية طبقاً للمعايير التجارية الدولية، ويتعارض مع نص المادة 3 من اتفاقية مكافحة الإغراق.
الصين أيضاً أخفقت في سياستها الحمائية ضد منتجاتنا البتروكيماوية لأنها تجاهلت قاعدة "النذر اليسير"، التي نصت عليها المادة 5 في الفقرة 8 من الاتفاقية.
الهند والصين تختبران ردة الفعل السعودية من خلال تطبيق السياسات الحمائية التي تتعارض صراحة مع قواعد المنظمة وأحكامها المنصوص عليها في المادة 3 والفقرة 7 من اتفاقية مكافحة الإغراق، التي حددت معايير الإغراق والضرر الجسيم الناتج عنه بدقة متناهية، وذلك ضماناً لعدم استغلال هذه الاتفاقية كأسلوب من الأساليب المشّوهة للتجارة.
أحكام اتفاقية مكافحة الإغراق تعتبر من أكثر قواعد النظام التجاري العالمي تعقيداً، إلا أنها أيضاً من أكثرها استخداماً في هيئة حسم المنازعات التجارية. ولخشيتها من سوء استخدام أحكام الاتفاقية، ولما تسببه هذه الدعاوى من سمعة سيئة للمنتجات المتهمة بالإغراق، خاصة إذا كانت تمتلك المزايا التنافسية المماثلة لمنتجاتنا البتروكيماوية؛ تسعى جميع الدول إلى إنشاء هيئات تنمية صادراتها وتسخير كافة إمكاناتها وخيرة خبرائها لصد دعاوى الإغراق المرفوعة ضدها والدفاع عن مصالحها الحيوية.
أحكام النظام التجاري العالمي تقوم على تشجيع الدول لاستخدام مزاياها التنافسية، إلا أن بعض الدول الأعضاء في المنظمة التي تفتقر إلى هذه المزايا وتخشى على مستقبل صناعاتها البتروكيماوية من منافسة منتجاتنا السعودية، ما زالت تعمل على إثارة موضوع المزايا التنافسية السعودية.
نحن نعيش اليوم عصر العولمة التجارية بحلوها ومرها، لذا سعت السعودية على مدى 10 سنوات طويلة ومفاوضات شاقة إلى اكتساب عضوية منظمة التجارة العالمية لتحييد عشوائية العولمة والحد من التدابير الأحادية المتخذة ضد صناعتنا مثل دعاوى الإغراق المرفوعة ضد منتجاتنا من قبل الصين والهند وغيرهما.
العضوية منحتنا الفرصة الثمينة لكي نبادر فوراً إلى تحكيم النظام التجاري العالمي وصدّ هذه القضايا المجحفة في حقنا والمسيئة إلى سمعتنا التجارية الدولية. صادراتنا في أمس الحاجة للهيئة التي أقرها مجلس الوزراء قبل 1770 يوماً.