ما زلت عند قناعة أن سبب عدم توفيق الفنان حسن عسيري في بعض الأدوار التي أداها على مدار سنين يعود إلى عدم دقته في اختيار الشخصية التي تناسب أداءه وإمكاناته وعدم واقعيته في تلك الاختيارات، ولكنه بالتأكيد نجح في أداء أدوار أخرى بكفاءة عالية خصوصا في الفترة الأخيرة ربما بحكم التجربة الطويلة والاستفادة من النقد الذي وجه له وهو بالمناسبة من الفنانين القلائل الذين يتقبلون النقد إلى حد ما. ومن المؤشرات على ذلك أداؤه الجميل والواقعي لدور "جبران" الذي يختبئ خلف نظارة سوداء ذات دلالات فنية كثيرة، ليس منها في رأيي أنه "ضرير البصر" بل هي رمز لاختباء السلوك الحقيقي لشخصية "جبران" وراء أغطية كثيرة، في تعبير عن نمط حياة "ميكافيلي" بامتياز، وذلك بالتواطؤ الكامل مع محيطه الاجتماعي الذي يؤمن الكثير من أفراده بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، وهو ذات السلوك المضحك/المبكي الذي يمارسه "جبران" على جميع من حوله، فهو يجاري "المحتسب" الشاب الذي يأتي بين حين وآخر طالبا طرد الفتيات اللاتي يعملن في المطعم، حيث يفاجأ الشاب بتأييد مذهل من قبل "جبران" للأمر تحت مبرر أن عملهن في المطعم" معصية" ويجب التخلص منهن بسرعة، بل ويدعو للمحتسب بـ"الثواب" بعد أن أعاده "لطريق الحق"، مع أنه قصد بهذا السلوك التخلص من الفتيات السعوديات واستبدالهن بآسيويات فوقع في شر عمله وخسر زبائنه، مما جعله ينسى موضوع أن هذا العمل "معصية" حسب اتفاقه مع الشاب "المحتسب" الذي يشن "غزوات" مستمرة بين حين وآخر على المطعم، ويفاجأ مرة أخرى بعودة الفتيات السعوديات للعمل في المطعم.

ميزة شخصية "جبران" التي قدمها حسن عسيري في عمل "من عيوني" أنها قُدمت بلغة وأداء بسيطين بعيدين عن التكلف والمبالغة اللتين قد تكونان طغتا على شخصيات أخرى قدمها عسيري في أعمال سابقة، وهو هنا يقترب ـ بشكل كبير ـ من سلوكيات اجتماعية "ميكافيلية" واقعية بدأت تغزو مجتمعنا بشكل مخيف، مثل مبدأ "ليس أفيد للمرء من ظهوره بمظهر الفضيلة". ولا أنسى هنا الدور المميز لطاقم العمل وهم حبيب الحبيب، ريم العبدالله، قمر الترك، شيماء الفضل، عبدالله القحطاني، محمد الجبرتي، والمخرج ضيف الحارثي، والمؤلف علاء حمزة.