عندما صور جيمس كاميرون فيلمه "أفاتار", كان يؤمن فعلا بقضية الفيلم, وإن اختلف رأي النقاد في هوليوود الذين رأوا أن لب الفيلم بعيد كل البعد عن الواقعية! أما أنا فأرى عكس ذلك تماما, فكيف لفيلم أن يحقق إيرادات خيالية تجاوزت الملياري دولار دون أن يكون فيه شيء من أنفسنا؟!


مصادرة الرأي والرأي الآخر, الغزو الفكري والعقائدي, الهمجية والقتل والجريمة وفوق كل ذلك غزو واحتلال الأرض من أجل سرقة ثروات الشعوب, كلها كانت عناوين أطول من عرض كوكب خرافي زاره أبطال "أفاتار" ليبعثوا رسالة مفادها أن ما حدث على ذلك الكوكب الافتراضي يحدث فعلا على كوكبنا "الأرض".


"أفاتار" تلك الآلة في الفيلم التي يدخل إليها الإنسان ليتحول إلى صورة طبق الأصل من عدوه, فيقدر على أن يلحق به الأذى ويسلبه هويته وأرضه وموارد حياته. وهو الأمر الذي يحدث بالفعل كل يوم عندما يوهمك أي شخص أنه منك ومعك ومن ثم ينقلب عليك ويصادرك ويطبق عليك بأقوالك وأفعالك وكأنك فعلت جريمة!





ومن ثم يصور الفيلم أن الشخص الوحيد الذي تسالم مع سكان الكوكب بعد دخوله لـ"أفاتار" وتعرفه على أعدائه, إنما هو ذلك الإنسان الذي يرى ما يفعله أبناء جلدته هو الخطأ, فليس من حقهم أن يغتصبوا حقوق الشعوب حتى لو كانوا شعوبا افتراضية تبعد عنا ملايين السنين الضوئية, فما بالك بشعوب قريبة منا تمارس هذ الجرم ولا نستطيع أن نتعامل معها إلا بمفردات الدبلوماسية ذات الأسلوب السهل الممتنع!


شاشة "أفاتار" وأنت تراها وراء صفوف مليئة داخل السينما, تعلمك كغيرها من الأفلام, وكأنك تلميذ في إحدى المدارس, فتعلمك لغة الحب والسلام والأهم من ذلك لغة الحوار والبعد عن التعنت وقذف الآخرين, وربما أهم درس هو توحيد الصفوف ونبذ التفرقة التي جارت كثيرا على الشعوب فقسمتهم إلى أحزاب كل يرى أن حزبه المنتصر, فلا بقاء لحرية الإنسان ولا لتعليم الإنسان وهو الأمر الذي غفلنا كثيرا عنه, لعدم استخدام لغة "العقل" في دراسة أنفسنا وما حولنا, فلماذا لا يصنع كل منا "أفاتاره" الخاص ليرى أعداءه بعين متجرده عن نفسه, ليرى بعدها إن كان سيختار العيش مع أضداده في تفاهم وانسجام, أم سيواصل حربه ضدهم؟!