قد نصادف قي حياتنا أناسا تسبقهم إلينا سمعتهم التي اكتسبوها نتيجة إنجازاتهم وبطولاتهم، وفي كثير من الأحيان ادعاءاتهم، وادعاءات من يطبلون لهم ابتغاء وجه الريال أو الدولار، أو الكرسي والأميال المتوسدة سحنة الرمال. لكنك سرعان ما تفطن إلى حقيقتهم وتشيح بوجهك عن زيفهم وكلك أسى وتعجب. ومن هذه الألقاب: "رجل المهام الصعبة"، "ورجل الإنجازات المستحيلة" و"فارس المرحلة الصعبة"، و.. و..، وغيرها من الجعجعات التي تسمعها كل يوم ولا ترى طحنا. وفي مجتمع مل من التطبيل ومل من التسويف كمجتمعنا، لا تملك إلا أن ترفع القبعة لأقل إنجاز، وتفرح لأي بارقة أمل تعيد إليك ثقتك وأملك في من أوكل إليهم ولي الأمر أمانة خدمة وتطوير مجتمعهم، وخانها بعضهم. وفي زحمة الوعود، وتبختر الفرسان على صفحات الصحف، وحيرتك أمام ما تقرأ عنهم مذيلا بتوقيع أقلام الجوقة المداحة، وما تراه من حولك واقعا كئيبا، وحقيقة مستترة، يبرز أمامك البطل الحقيقي، "رجل المهمات الصعبة.. والمرحلة الأصعب" بدون زفة أو تطبيل، فتصفق له من قلبك، وتستعيد في لحظة يأس إيمانك بأن الخير ما زال باقيا، لأن أمثال هؤلاء المخلصين هم من يحفظون التوازن الأخلاقي في مجتمعنا، ويضربون المثل للأجيال الشابة.

ومن هؤلاء يبرز وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، الرجل الطيب، دمث الخلق، الشاعر الرقيق والمسؤول الإنسان، الذي خلق خلال ثلاث سنوات فقط واقعا إعلاميا وثقافيا جديدا رغم كل التحديات والعواصف، واجهها بالكلمة الطيبة متمثلا قول الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ. طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ." ثلاث سنوات سمان امتدت خلالها جذور أشجاره الطيبة وضربت في أرجاء وزارته، وكل مرفق ثقافي افتتحه، أو مناسبة ثقافية رعاها، وكل دعوة لباها وشرف بها كثيرا من الفنانين والأدباء، حتى المبتدئين! وسط استغراب الكثيرين ممن لم يتعودوا على حضور الوزراء (المشغولين جدا بهموم المواطن!) مثل هذه المناسبات المتواضعة. لكنه تواضع الجبل الذي جبل عليه، ولم يتصنعه ليضفي كبرا على اسمه كدأب أدعياء التواضع من المتكبرين والمرائين. وأحسب أن تواضعه هذا قد جلب عليه الكثير من المتاعب، وأغرى الكثير من المتسلقين والانتهازيين، ولا أحسبه كان يجهلهم. لكنه بنبله، ودبلوماسيته، استطاع أن يحتويهم، ويفتح بابه وقلبه للجميع. إنه بحق "رجل المرحلة الأصعب" الذي دفع بورقة الانتخابات، وافتتح أربع قنوات، على رأسها قناة للقرآن الكريم، وقناة للسنّة النبوية، وكذلك قناة الأطفال (أجيال)؛ وجازف بافتتاح القناة الثقافية. وجازف بالحوار في "تويتر" مع النخب والدهماء. حتى تطاول عليه البعض، وهو الآن على سرير المرض، لا نملك إلا الدعاء له بأن يشفيه الله شفاء لا يغادر سقما. اللهم آمين.