بعد أسبوع تقريبا ستبدأ إجازة نصف العام؛ وسنشهد ارتفاع نسبة سفر الأسر السعودية إلى الخارج، خاصة دبي وماليزيا وتركيا، رغم أن إجازة نصف العام لا تتجاوز أسبوعا واحدا! وهذا ما يحصل في كل إجازاتنا، فبحسب ما نشرته جريدة الرياض 8 نوفمبر عن توقع ضخ السعوديين 3.33 مليارات ريال في الخارج على السياحة؛ أتذكر أنه قبل عام نُشر خبر عن صرف السعوديين لمليار ريال فقط في دور السينما بالبحرين، والسؤال الحقيقي والمؤلم: هل تستحق هذه الإجازات القصيرة أن يتوجه فيها السعوديون إلى السياحة الخارجية؟! الإجابة المفترضة أنها لا تستحق فهي أيام معدودة ويُفترض قضاؤها في السياحة الداخلية، مع ذلك لا تستكثر الأسر السعودية صرف قيمة التذاكر الغالية على أيام في الخارج! وبعضهم يقترض لتوفير مصروفات سفره مقابل الترفيه العائلي والشعور بالسعادة!
وهذا يعني أن لدينا خللا كبيرا، فهل السعوديون يسكنون وطنهم من أجل أن يعملوا وما إن يحصلوا على إجازاتهم حتى يفعل أكثرهم كما يفعل الوافدون ممن يتمتعون بإجازاتهم في أوطانهم؟! بالطبع ذلك نتيجة ما تعانيه السياحة الداخلية من قصور الخدمات الفندقية والترفيهية في ظل ارتفاع أسعارها بشكل غير معقول، ولهذا بدلا من صرف آلاف الريالات في الداخل حيث نفتقر إلى فعاليات عائلية ممتعة؛ وإن وجدت تُقدم بشكل تقليدي وممل؛ فلا فعاليات مسرحية ولا سينمائية عائلية أو حتى للأطفال؛ ناهيك عن وجود من يراقب متعتك العائلية نتيجة سوء الظن! مما يضطرك لحمل كل وثائقك الرسمية العائلية أثناء تنزهك لتجنب أي مضايقات ومساءلات؛ حتما مع كل ذلك سيفضل السعوديون الخارج بحثا عن المتعة والفعاليات الترفيهية والحرية العائلية التي يفتقدونها هنا! وبصراحة؛ لو شاهدنا خارطة السعودية فسنجدها بنصف مساحة قارة أوروبا وربما أكثر، إنها جغرافيا ممتدة تتسم بتنوع التضاريس ما بين جبلية وصحراوية وساحلية، غنية بالتنوع التراثي الشعبي والتاريخي، ولدينا مناطق أثرية تُنافس أهميتها الآثار الموجودة بدول الجوار، بل لدينا 260 جزيرة من جزر فرسان تنتظر الاستثمار السياحي، لكننا مع الأسف في ظل هذه البيئة الغنية سياحيا وثقافيا وتاريخيا نفتقد إلى تنظيم المهرجانات الثقافية والسياحية، وتوفير الخدمات الفندقية المميزة والاستثمار السياحي الترفيهي لتفعيل مناطق الجذب، والتي من دورها ـ لو تم دعمها وتشجيعها ـ توفير الكثير من الوظائف لشبابنا وبناتنا! ولن نصل إلى هذه المرحلة إلا حين نصل ليقين بأن كل ريال سعودي يُصرف بالخارج هو خسارة للاقتصاد الوطني، فما بالنا بالمليارات نخسرها سنويا.
أخيرا؛ أعلم أن طموحات الأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والآثار واسعة للوصول بالخدمات والأنشطة السياحية لتحقيق الرغبة ببناء وطن يعيش فيه السعوديون لا لمجرد أن يسكنوه، كما أوضح خلال مشاركته في ملتقى المثقفين السعوديين الأخير، ولكن يدا واحدة لا تُصفق، فهو يحتاج الدعم من مختلف الوزارات والجهات، فإن كانت أمور ميزانيتنا اليوم على خير ولله الحمد؛ فعلينا أن نحتاط لغد لا نعلمه، فنحن ببساطة نريد وطنا نعيشُ فيه ولا نسكنه لنعمل فيه فقط.