في تونس استطاع الهادي الحناشي مراسل العربية تحقيق الانفراد، فنقل للعالم العربي تفاصيل ما حدث وحيدا ومنفردا حينها كانت الجزيرة بنشرتها المغاربية تغط في عسل النوم اللذيذ، فحاولت لاحقا تعويض قصورها في الحدث المصري نازعة إلى التحريض وتبني شعبية الخطاب دون توضيب أو إعادة إنتاج، ورغم ذلك كانت أهم الحصريات من نصيب العربية.. إنقاذ المتحف المصري وتسريبات تفاصيل الخطاب الأخير لمبارك مثالا، أما في ليبيا ورغم جيش المراسلين الذي رافق الثوار فإن أحمد بجاتو كان على قدر التحدي مراسلا بكتيبة، وفي اللحظات الأخيرة لسقوط طرابلس، ولاحقا مقتل القذافي؛ انتقل بجاتو بسرعة البرق بين الحوارات الحصرية والمتابعة للتداعيات مميزا، أما في الحدث السوري فكلنا يتذكر لوم السوريين للجزيرة لأنها تجاهلت ثورتهم في بدايتها لأكثر من أسبوعين، أما القنوات الأجنبية وعلى الأخص بي بي سي فقد تميزت دوما بقدرتها على تغطية سقوط المدن وانهيار الأنظمة وذلك من خلال خبرة امتدت لعشرات السنوات في حين أن تجربة القنوات العربية شبه معدومة في هذه النوعية من التغطيات إذا ما تم استثناء سقوط كابول وبغداد.
في عام الربيع العربي تعلم العرب دروسا جديدة، عاش المراسلون والمحللون والمذيعون نجومية مطلقة، ربط الناس مواقيتهم على نشرات الأخبار، دقق المشاهدون في كتبة التقارير الإخبارية، انفجرت أدق التفاصيل، "لعلعت" وكالات الأنباء وتجلت أهمية الاستثمار في الإعلام، ترك الناس حياتهم وعاشوا في الواقع الافتراضي، عاد الإعلام إلى مهمته الأساسية كناقل، وتقدم الإنترنت بشبكاته الاجتماعية التي أشعلت الاحتجاجات.. اختص السوريون بـ"اليوتيوب" والمصريون بـ"الفيس بوك"، وقبلهم نظم الإيرانيون أنفسهم من خلال "تويتر" في ثورتهم الخضراء، وإذا كان الربيع العربي عاما كاسحا لبعض الأنظمة فإن انعكاسه على الإعلام كان هائلا، فالذين رحلوا ودوا لو دفعوا المليارات لامتلاك أذرع قوية تدفع عنهم وتبطش بخصومهم، فالأنظمة التي سقطت وإضافة لأسباب سياسية واجتماعية افتقدت وسائل إقناع ومنابر إعلامية منطقية، فشاعت نماذج هاله المصراتي وشريف شحاذه، وقناة الدنيا تحولت مع الوقت إلى فرجة للرائح والغادي، وبديل كوميدي بكل المواصفات المطلوبة.