نختلف في الحياة مع أشخاص كثيرين! والأفكار مثل الأرواح جنود مجندة، وكل مخالف لنا لديه حججه وله حريته الكاملة ما لم يتعارض مع حريات الآخرين، وما لم يمسّ أخلاقهم. حين يبوح البعض برأي نرفضه يمكننا أن ننتقده ويمكننا أن نرد عليه، لكن الظاهرة الجديدة مع وسائل الاتصال الاجتماعي ظهور مرض يمكن تسميته بـ"التلذذ بالتشفي".
المواقع التواصلية فيها مساحة كبيرة من الحرية مما يجعل التعبير في كثير من الأحيان يرتبط بالأخلاق الشخصية أكثر من ارتباطه بالقوانين الداخلية للموقع، ولهذا تظهر المعادن للأشخاص من خلال الهجوم والتشويه أو الضرب بلا هوادة لكل من نختلف معه حتى في بعض أحكام السواك أو المسح على الخفين!
من السهل أن تضرب بهجومك بكل اتجاه وأن تحاول الانتقاص من الآخرين ومن قيمتهم الذاتية أو من ضمائرهم لكن هل يمكنك أن تتفحص ضميرك وأن تقوم بهذا الهجوم؟! للأسف أن التبطح والتسدح ومن ثم الهجوم على كل من يعمل أو ينجز أو يفكر ويكتب صار عملا ممتعا للكثيرين، هذه الحالة من اللذة بمحاولة التصفية للآخرين لا تعبر إلا عن ضيق أفق يصعب علاجه إلا بالتحرر من الضغائن الذاتية.
الشخص الحر ليس ذلك الذي يعيش كل لحظاته بحالة خصومة مع الآخرين، بل ذلك الذي تصالح مع نفسه أولا ليكون هو ذاته بأخلاقه وضميره من دون أن يربط قيمته بفشل الآخرين. هناك حالات من التشويه المتبادل بيننا كسعوديين، وأتذكر بهذا قول المتنبي:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد!
في كثير من الجنسيات هناك غيرة متبادلة، لكن حسب الهجمات الأخيرة بـ"تويتر" وجدت أننا كسعوديين لدينا غرام بأن ننتقد بعضنا البعض، نصبح ونمسي بشتم بعضنا وكأننا في حالة حرب أهلية داخلية. إذا برز فينا شاعر، قالوا: "مهب عاقل المتنبي" وإذا برز فيزيائي قالوا: "متى يركد أينشتاين؟"، وإذا نبغ فينا أديب قالوا: "مهب ساكت بلزاك"!
قال أبو عبدالله غفر الله له: أتمنى أن نستخدم التقنية لنشر معلوماتنا، أو أفكارنا، أو قراءاتنا، وأن نخفف من التلذذ بشتم الآخرين، لأن هذا الداء إن تفاقم فإنه سيكون مريعا ومخيفا وبخاصة أن بعض أولئك المرضى بهذا الداء لهم طلاب وعائلات وأولاد يمكنهم أن يورثونهم هذا الداء.
مع كل هذا الضجيج يأتي السؤال: ما هو نصيبنا من تنمية أنفسنا وأدمغتنا وذائقتنا، يمكننا بالوقت المبدد على الهجوم والتشفي أن نكتسب معارف ومهارات وأفكارا وأن نتقدم إلى الأمام علما وعملا.. هل نتفق على أن نخفف من هذا التشاتم؟.