مشروع التخرج هو متطلبٌ واجب يقوم به مجموعة من الطلاب أو طالب واحد للتخرج من المرحلة الدراسية المطلوبة, ومن أبجدياته تطبيق خطوات البحث العلمي المعروفة, بعد الاتفاق مع المشرف على موضوع مناسب, وإتمام الموافقات اللازمة.

في الأسبوع الماضي حضرت عرضاً لمشروعين من المشاريع المطلوبة للتخرج من المرحلة الثانوية من مدارس دار الفكر الأهلية.. أحد هذه المشاريع والأفكار الجميلة كان عن (المدن والمباني الصديقة للمسنين). المشروع الذي أشرفت عليه الدكتورة نسرين جستنية, نائب رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء مرضى الزهايمر الخيرية بمنطقة مكة المكرمة, واستشارية طب الأسرة وكبار السن والعناية التلطيفية بمستشفى الحرس الوطني بجدة, وقام به الأبناء محمد فدعق, ومحمد عادل صبري, ومشاري عبدالرحمن الحصيني, واهتمت بتصميمه الداخلي الأستاذة ريم نبراوي, وحضر التدريب الأخير على عرضه معالي الدكتور سهيل قاضي؛ فكرته تتلخص في أن الجنس البشري يتعرض منذ بداية العصر الحديث لتغيرات أساسية في تركيبته الديموجرافية؛ أثرت في تشكيل المجتمعات بشكلٍ غير مسبوق, هذه التغييرات جعلت الأبناء يُقدمون على التفكير في خدمة فئةٍ غالية على الجميع؛ وهي فئة المسنين.

أهم التغييرات البشرية هي التغييرات المتمثلة في التزايد المستمر في أعداد المسنين في المجتمعات الحديثة، وهي الظاهرة المعروفة بـ"تشيُّخ المجتمعات", والزيادة المماثلة في النسبة الإجمالية من البشر الذين أصبحوا يقطنون المدن الكبرى، وهي الظاهرة المعروفة بـ "التمدن أو التحضر". وكنتيجة للظاهرتين، أصبح عدد المسنين الذين يقطنون المدن هو الأعلى في التاريخ البشري. ولنفس السبب أطلقت منظمة الصحة العالمية، وضمن الاحتفالات بيوم المسنين، أول دليل عن تخطيط وتصميم وتجهيز المدن الصديقة للمسنين.

الإحصائيات في المشروع تشير إلى وجود أكثر من 650 مليون شخص حالياً فوق سن الستين، وهو العدد المتوقع له أن يزداد إلى مليار ومئتي مليون بحلول عام 2025، ليصل إلى مليارين بحلول عام 2050, وتشير معلومات المشروع إلى أن عدد المسنين يتزايد في العالم أجمع بمعدل 2,5% سنوياً, وفي المملكة تقدر نسبة المسنين بحوالي 4,1% من عدد السكان, وهذا ما دفع أصحاب الاختصاص لإعادة التفكير في طريقة تخطيط وتصميم المدن، من أجل إعادة الحسابات في كيفية تسهيل الخدمات التي سيطلبها هؤلاء السكان الجدد، مع الأخذ في الاعتبار كافة احتياجاتهم البدنية والاجتماعية. وتحقيقاً لهذه الغاية، اجتمع في عام 2006 ممثلون من 33 مدينة في 22 بلدا, وقاموا بدراسة أهم المجالات التي تملكها المدن وتؤثر في التشيخ الصحي, وتم إنتاج دليل وقائمة مرجعية تستخدمهما المدن في تقييم "تآلفها مع العمر".

المدهش في المشروع هو أن العديد من التدابير التي تجعل المدينة صديقة للمسنين تجعلها أيضاً صديقةً لمجموعاتٍ عمرية أخرى، ويمكن أن تستفيد النساء الحوامل, والأشخاص الذين يرعون الصغار, وذوو الاحتياجات الخاصة من خدمات الجلوس في الهواء الطلق، وتسهيلات الوصول إلى الحمامات العامة، ووجود الأرصفة التي تراعي أولئك الذين يمشون ببطءٍ. أصحاب المشروع بحثوا عن أهم مواصفات المباني والمدن الصديقة للمسنين الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية, وتواصلوا ـ رغم كل الصعوبات التي واجهتهم ـ مع ذوي الاختصاص, وطبقوا على مبنى مناسب فكرتهم (عملياً), وأهلوه ليكون صديقاً حقاً للمسنين وعائلاتهم, وزودوه بخطة للأنشطة الذهنية, والتدريبات العامة التي ستقضي أو تقلل من عزلة المسنين واغترابهم عن غيرهم من فئات المجتمع الأخرى.. أيها الأبناء، أمانيكم في أن تكون بلادكم صديقة للمسنين بالخصوص, وللناس بالعموم أوصلتها حسب طلبكم, و(النعم فيكم), وبيض الله وجوهكم.