كتبت الكثير من المتفرقات حول هذه القضية، والكل في السعودية يعرف أهميتها. فمن غير المعقول أن يبقى النفط هو المصدر الرئيسي، حتى وإن كانت احتياطياتنا منه كبيرة، وحتى إن لم يوجد مصدر طاقة بديل خلال الخمسين سنة القادمة. والسبب الرئيس وراء ذلك هو أننا نضع كل "مصادرنا" في سلة واحدة. وفيما يخص أسعار النفط، فمن غير المتوقع أن تنخفض على المدى القصير أو المتوسط. فالنفط غير التقليدي ذو كلفة عالية، وعليه لتحقق أميركا نظريتها في أمن الطاقة، فمن الضروري بقاء أسعار النفط حول 100دولار للبرميل. ولكن هل لهذا الواقع أن يستمر للأبد؟ لا يمكن لأحد الإجابة عن هذا السؤال.
في عام 2008 قامت شركة جنيرال موتورز بإشهار إفلاسها بحسب الفصل الحادي عشر لحمايتها من الدائنين، وقامت باستخدام أموال دافعي الضرائب لإعادة هيكلتها. ووقتها لاحت لنا فرصة الاستحواذ على جزء من الشركة، وفرض بعض من الشروط الخفيفة مثل نقل بعض مصانع الشركة إلى السعودية لتكون لبنة أساس صناعة تحويلية رئيسية تمتد حولها شبكات من الصناعات اللوجيستية من نقل وتخزين وإعادة تدوير إلخ.
إن مثل هذه النقلة كانت ستضيف الكثير للاقتصاد السعودي، بحيث يتم تنويع مصادر الدخل، كما أنها كانت ستخلق عدداً كبيراً من الوظائف لمكافحة البطالة وتشغيل مدننا الاقتصادية، التي ما تزال في طور النمو. مثل هذه النقلة النوعية تقوم بها إمارة أبو ظبي بتحويل قاعدتها الصناعية إلى أكبر مركز لتصنيع الطائرات التجارية بالاتفاق مع إيرباص حالياً.
والنوع الآخر من تنويع مصادر الدخل هو البقاء في مجال صناعة الطاقة، ولكن بشكل يضمن لنا الاستمرارية لعقود، بل لقرون مقبلة عن طريق الاستثمار في الطاقات المتجددة والبديلة. وأهم هذه الطاقات هي الشمسية، فكما حبانا الله بالنفط، فقد حبانا بمساحات شاسعة وأيام مشمسة معظم السنة. وتعد إسبانيا الدولة الرائدة في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لأن عدد الأيام المشمسة فيها هو الأعلى في أوروبا، والسعودية تتفوق في هذا على أي دولة أخرى. إن مبادرة أرامكو في تنويع محفظتها من الطاقة مع شركة كورية خطوة مميزة، ولكن بقاء المصانع في كوريا، واستخدام مواد أولية غير متوفرة في الأراضي السعودية لن يساعدنا في توسيع قاعدتنا الصناعية ونقل التقنية. وبالتالي إنتاج كافة ما يتعلق بهذه الصناعة الجديدة على أراضينا وخلق صناعة جديدة تساند الصناعتين النفطية والبتروكيماوية.
آخر هذه الأنواع هو الاستثمار الخارجي في مشاريع البنية التحتية طويلة الأمد، والتي تدر العوائد بشكل مستمر. فإمكانية الاقتصاد السعودي على استيعاب استثمارات ضخمة بدون التأثير على معدل التضخم ضيقة. فبمجرد رفع قرض صندوق التنمية العقارية إلى 500 ألف ريال وتفعيل إمكانية تطبيقه على الشقق السكنية، ارتفعت أسعار الأخيرة بعد أن كانت راكدة لردح من الزمن. إن حجر الأساس لتنويع مصادر الدخل ولأي نقلة نوعية للاقتصاد السعودي من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج هو الاحتياطيات النقدية. فالعائد على الأوراق المالية للحكومة الأميركية يقارب الصفر، ما يعني أن هذه الاحتياطيات تخسر من قيمتها عند احتساب التضخم. كما تلعب هذه الاحتياطيات دور الضمانة للاقتصاد السعودي والعالمي (إلى حد ما) فإن تفعيلها بكفاءة أكبر سيؤدي إلى دور أكبر للاقتصاد السعودي.