فقدت البيئة الثقافية في المملكة أحد روادها المُغيبين عن ذاكرة الأجيال الجديدة، وهو الشاعر والأديب يحيى إبراهيم الألمعي، الذي غادر الحياة بصمت وهدوء، كما عاشها فاعلاً بصمت، منكبا على مؤلفاته وإبداعه، دون أن يثير الزوابع حول نتاجه ليقول كغيره: ها أنا ذا، ودون أن يصارع على لا شيء، ودون أن يحاول تمرير الماء من تحت الماء.
كان الألمعي من أوائل محترفي الكتابة والتأليف، فترك للأجيال أكثر من مؤلف، تُعد ـ الآن ـ مصادر مهمة للباحثين في تاريخ وتراث منطقة عسير، وله إسهامات صحفية مبكرة؛ فقد أشرف مع زميله سليمان الحفظي على صفحة عسير التي كانت تصدرها صحيفة عكاظ منذ 1382هـ، حتى 1384هـ، وكانت تحوي إلى جانبِ الأخبار مقالاتٍ, وقصائد لبعض أبناء عسير, كما مارسَ الكتابة المقالية في الكثير من الصحف والمجلات، وكان من الكتاب البارزين في صحيفة اليمامة، إذ نشر بها عبر سنوات صدورها ثلاثاً وأربعين مقالة.
صدرت له عدة مؤلفات منها: "رحلات في عسير"، و : "الأمثال الشعبية في المنطقة الجنوبية"، وثلاثة دواوين شعرية هي: "عبير من عسير"، 1404هـ، و: "من روابي عسير"، 1406هـ، و: "أحاسيس شاعر"، 1423هـ، وله مؤلفات مخطوطة هي: "الإيضاح والتيسير في تاريخ عسير"، و: "لمسات وهمسات"، و: "حلو ومر"، ومجموعة مقالات بعنوان: "من فيض الخاطر"، وديوان شعري بعنوان: "أشجان وألحان"، وقصة طويلة بعنوان: "الشهاب الملتهب"، والأمل في إخراجها معقود على أبنائه الواعين بأهمية نشرها.
والألمعي من الشعراء المقلدين، بيد أن شعره يُعد وثيقةً مهمة للكثير من المناسبات والأحداث الوطنية، فهو يكثر القولَ في المناسبات الوطنية المختلفة، ويحرص في دواوينه على توثيق مناسبات قصائده وأماكن نشرها وتواريخ نظمها.
يظهرُ أثرُ البيئة المحلية في شعره من خلال وصف الأماكن، وذلك واضح في عنوانات دواوينه بشكل مباشر، مثل: "عبير من عسير", و "من روابي عسير"، بيد أن شعرَه لا يخلو من الهفوات والهنات، فحين أصدر ديوان: "عبير من عسير", ساير نهجَ معاصريه في اللجوء إلى آخرين يكتبون مقدمات الإصدارات, فكتبَ مقدمته أحدُ أفراد جيله, وهو الدكتور زاهر بن عواض الألمعي, مشيداً بخلو الديوان من الهجاء, ومؤكدا على وجود بعض الهفوات, فلم يخل "من بيت شعرٍ مكسور, أو شطرٍ مطرور"، وهي الهفوات التي لم يخل منها ديوانه الأخير الصادر قبل عشر سنوات، إلا أن كل هذا لا يقلل من أهمية نتاجه بوصفه مرآةً عاكسة للقصيدة في عسير منذ مطلع السبعينات الهجرية.
لي معه حكايات ومواقف، وكلها تدل على أخلاقه النبيلة.. رحمه الله.