التصريحات التي أدلى بها الشيخ عبدالله السويلم العضو المنتخب في المجلس البلدي في مدينة الرياض والداعية المعروف في أعقاب زيارته للمواطنة المتهمة هيلة القصير مثيرة وهامة. الزيارة إلى الإصلاحية أتت بحكم وظيفة الشيخ السويلم الإضافية في لجنة المناصحة التابعة لوزارة الداخلية والتي تقتصر مناصحتها على المتهمين في قضايا إرهابية.
خلال مقابلة تلفزيونية أجرتها معه قناة المجد قبل أسبوعين أفاد الشيخ السويلم بأنه تفاجأ ببساطة وسذاجة هذه المرأة المتهمة بالانضمام إلى منظمة القاعدة والتي تم الإعلان عن القبض عليها قبل أسبوعين. وأضاف الشيخ بأنها أعلنت عن ندمها خلال أقل من ساعة ونصف من المناصحة وجهاً لوجه. بل إنه تمنى لو أن هناك خطا هاتفيا ساخنا بينها وبين البرنامج ليتمكن المشاهدون لقناة المجد من سماع صوت المتهمة وهي تعلن عن ندمها.
من الجهة الأخرى تناولت معظم الصحف السعودية الممارسات التي كانت تقوم بها هيلة القصير قبل القبض عليها. من هذه الممارسات أنها تمكنت خلال العامين الماضيين من جمع تبرعات للتنظيم في اليمن، تحت غطاء بناء مساجد ودور أيتام، وقامت بتحويل مبالغ مالية (فاقت المليوني ريال) عبر عمليات غسيل أموال، وكانت تستجلب صغيرات السن من ذوي المطلوبين أمنياً لإدراجهن في التنظيم سواء عبر توفير الدعم المادي أو المعلومات عن ذوي المطلوبين وأحوالهم، إضافة لاستقطابها عدداً من زوجات المطلوبين لتهريبهن. ومن ذلك أيضاً دورها الكبير في تسلل وفاء الشهري إلى اليمن مؤدية مهمات التنسيق للرجل الثاني في تنظيم القاعدة في اليمن سعيد الشهري زوج وفاء.
هنا أعود لتصريح الشيخ السويلم وأطرح أمامه هذا السؤال: إذا كانت السيدة هيلة قد نجحت في تأدية كل هذه الأدوار وهي بالبساطة والسذاجة التي شاهدتها إذاً ماذا ستكون أفعالها لو لم تكن بسيطة؟. بصراحة تمنيت لو أنها لم تكن بهذه البساطة. وأستمر في طرح الأسئلة على شيخنا الفاضل حول مسألة الندم: هل لو توقفت يا شيخ عبدالله أمام أي زنزانة أخرى وشاهدت سجيناً متهماً بتهريب المخدرات تم القبض عليه قبل ترويجها مثلاً وجلست معه، فهل سيصفه فضيلتكم بأنه بسيط وساذج؟ وهل يتصور فضيلتكم أن هذا الشخص لن يكون نادماً ومن الدقيقة الأولى للمقابلة وليس بعد ساعة ونصف من المناصحة؟ من المؤكد أنه سيعلن عن ندمه وقد يتحدث إلى نفس الخط الساخن المشار إليه.
بعيداً عن كل هذا الذهول الذي يعتري أي متابع، الحقيقة أن من يقترف جريمة يجب أن يمثل أمام القضاء وأن يتقبل الحكم القضائي وينال العقاب. لا يمكن أن تأتي هذه المقابلات والمناصحات قبل انقضاء وصدور الأحكام والعقوبة ولو قبلنا بها قبل الأحكام الشرعية وتأدية العقوبات فإننا سنضطر إلى مناصحة كل المتهمين وسنجد أمامنا كماً هائلاً من "البسطاء" و "السذج". وأجزم بأنهم جميعاً مستعدون للندم.
من الممكن جداً أن يتم تقليص العقوبة لكن ليس قبل أن تتم مراجعة سلوك الشخص أثناء إقامته في الإصلاحية لتنفيذ مدة هذه العقوبة ويجب أن يتم ذلك بواسطة خبراء متخصصون في علوم النفس والاجتماع ويتمتعون بالقدر الكبير من الحس الوطني الذي يقدر الأخطار. هذا الأمر مقبول في كل الأنظمة العدلية في العالم بما فيها أنظمتنا في المملكة. لعلنا نستذكر العفو الملكي الذي يصدره خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في شهر رمضان من كل عام والذي يتم فيه إطلاق سراح الكثير من السجناء بناء على مستوى الجرم وسلوك الشخص وتعامله مع العقوبة. لكن أن نناصح ونعلن عن ندم المتهم قبل المثول أمام القاضي فهذا في الواقع خطأ كبير قد يؤثر على سير العدالة فيما بعد. كلنا قرأ عن عودة بعض المتهمين بالإرهاب إلى العمل في التنظيم مجدداً بعد المناصحة وإطلاق سراحهم. عودة شخص أو شخصين ممن قد يقومون بأعمال إرهابية خطرة وفتاكة تكفي لإعادة النظر بالكيفية ومعيار التقييم المعمول به في مناصحة المتهمين المتشددين.
الأغرب من هذا كله أن القضايا التي نتحدث عنها هي الأكبر والأعظم في مسائل الأمن والاستقرار. غير أننا وجدنا أنفسنا مع الأيام نتعامل معها إعلامياً على الأقل بنوع من التمييع وكأنها الأقل أهمية. إنا هنا أشير إلى تردد بعض الإخوة في لجان المناصحة عند ظهورهم في وسائل الإعلام عن إدانة من يتم القبض عليهم بتهم الإرهاب ومحاولة التقليل من الجرم وأن من يقوم بهذه الأعمال أشخاص بسطاء وسذج ومغرر بهم فقط.
لقد تناسينا أن المجرم أيا يكن هو في النهاية شخص تم التغرير به بالفعل ولم يولد من بطن أمه وهو مجرم. غير أن المهمة في النهاية هي تطبيق الأحكام الرادعة التي تقلل من تكرار هذه الجرائم.
بقي أن أشير إلى أن ما قامت به هيلة القصير من نشر ثقافة العدوان والكراهية بين فتيات صغيرات تم تجنيدهن لجمع المال باسم الجهاد لا يشير على الإطلاق إلى أي سذاجة أو بساطة في شخصيتها. وأضيف أن هذا العمل هو أكبر برأيي من القيام بعملية تفجير محدودة. هذا ما يجب أن نستوعبه جميعاً مواطنين ولجان مناصحة وأجهزة أمن ودعاة.