• نريد أن نكون متمدنين منسجمين مع معطيات الحضارة وأدواتها لكننا أمام ضعف القانون وغياب الرقابة وتهافت العقوبات فإننا نمارس التخلف والتصادم مع قيم التمدن والـتحضر من خلال استخدامنا السلبي للطرق وقيادتنا المتهورة للسيارات وعدم عنايتنا بالبيئة وإهمالنا لها والاحتطاب الجائر وقذف المخلفات وإفسادنا في المجمل للخدمات الـعامة.. لكننا ننقلب – رأساً على عقب – حال تجاوزنا لحدود الوطن لـنصبح بشراً من طينة مغايرة تواكب السائد وتنسجم معه. يصبح المواطن أول من يراعي – خارج وطنه – قانون المرور.. وقانون النظافة العامة ويلتزم بعدم قذف مخلفاته من نافذة السيارة ويراعي – وفق صرامة النظام – كل الأنظمة ويحافظ على كل الخدمات ولا يعمد إلى تخريبها أو خربشتها.

السعودي في الخارج غالباً إنسان متحضر من الدرجة الأولى لكنه ينكص على عقبيه فـور عودته للـوطن ليمارس همجية التخلف في كل مقدرات الوطن الأصلية والمكتسبة.

•ندعي ونتمسك بالمظهر الديني داخل الوطن، لكن ذلك يتحول إلى تحلل وانقلاب لدى بعض الناس عند مغادرتهم أرض الوطن.. وعلى حين أننا نريد أن نمارس التحضر والتعاطي مع أدوات المدنية في الـداخل مثلما نؤدي ذلك بامتياز في الخارج فإن الأولى حين نسافر أن يسافر معنا في نفس الرحلة تمسكنا بالمظهر الملتزم إلى خارج المملكة.

• نردد ونلوك في كلامنا أمام أبنائنا كتالوج المثاليات بزعم تكريس الـقدوة وخلق الأنموذج في نفوسهم، لكننا حقيقة لا نطبق ما نردد ونـخرق بالشارع ما ندعيه في المنزل ونمحو في النهار ما نقوله بالليل لأننا نتذاكى على أبنائنا ونزايد عليهم ونظن أن ما ندعيه ينطلي عليهم.. نمجد أنفسنا أمـامهم، ونؤكد على عصاميتنا.. وأولـويتنا مع مرتبة الشرف في المدرسة.. ونسهب في الحديث عن مراهقتنا الـمثالية الـخالية من الطيش والنزق.. نقسرهم على أن يكونوا مثلنا حذو القذة بالقذة وما علمنا أنهم خلقوا لزمان غير زماننا، ننكر عليهم الاختلاف.. والمغايرة.. والاستقلال والتميز. نريدهم نسخة مكررة والأولى أن ندعهم ليكونوا هم هم.

• نزايد على بعضنا الـبعض.. ندعي الوطنية ونجرد منها كل من يخالفنا الرأي.. ندعي التدين ونصم كل مختلف معنا بالعلمانية أو المروق أو التغريب.. ندعي النزاهة والـزهد ولا نرى غيرنا إلا من طائفة الجشعين.. المفسدين في الأرض.

• نبدد وقتنا في تصيد عيوب الآخرين ومعايرتهم وكأننا أكمل خـلق الله.. نتحصن بادعاء الخصوصية والاختلاف كما لو أننا نسكن في مجرة خاصة نغلق النوافذ ونسد المنافذ حتى لا تتسرب إلينا أدواء الآخرين وتجاوزاتهم وننسى أننا إذا أغلقنا معابر الهواء اختنق كل من هم داخل السور وهنا مكمن السر في تعدد رحلاتنا خلال الصيف والشتاء والربيع والخريف ورأس السنة وآخرها إنما نسافر كثيراً فقط لنخلع عن كواهلنا الخصوصية التي كتمت أنفاسنا.

• نعدد إنجازاتنا.. ما قدمنا وما أخرنا.. نبالغ في تمجيد أنفسنا فكل ما لدينا هو الأول الظاهر.. الأجدر والأكبر.. الأفضل والأطول.. الأعلى والأغلى.. الأولى والأحلى.. الأجمل والأكمل ويظن هؤلاء المبالغون المادحون المطبلون أننا نعيش في جزيرة معزولة وأننا نتحرك وحدنا وقد نسوا أن من حولنا يثيرون بحركتهم الدؤوبة النقع فوق رؤوسنا.. ليتنا نلغي من لغتنا صيغة أفعل التفضيل ونتلمس خطواتنا على الأرض.

نريد وندعي ونردد ونعدد ونزايد ونبدد وكل ذلك يصيبنا بالـنشوة التي تسكر عقولنا وتهز رؤوسنا وتجعلنا خارج دائرة الـواقع وخـارج إطار الحقيقة وما على حملة المباخر من بعض المسؤولين.. وبعض الإعلاميين إلا تبطيل التطبيل والإقلاع عن أفعل التفضيل.