ماذا لو أن الشؤون البلدية والقروية، قامت بإزالة إشارات المرور من الشوارع، لكي تقوم بأعمال حفر أو تغيير لواجهة الطريق، وماذا لو أن وزارة المواصلات مثلا، قامت بهدم مدينة طبية ضخمة لتقوم بتوسعة طريق ما؟ أو ما يتبادر إلى الذهن أننا أمام وزارات تعمل كل منها على حدة، ولا يلتقون في هدف واحد ولا في رؤية واحدة.

مضايقات النساء العاملات في محلات الملابس النسائية، ومحاولة التأثير على هذا القرار ببعث آراء يغلب عليها التعميم والممانعة والخوف المطلق الذي ظل يمثل صوتا تقليديا، سوف يواصل اعتراضاته المفرطة على كل مشروع تنموي، ذلك أن التنمية لا تتسق إلا مع حريات الأفراد وتساويهم تحت قانون يتيح لهم حقهم في الاختيار دون أن يؤدي ذلك الاختيار إلى أي إخلال.

بتوجه وطني وتنموي تجتهد وزارات سعودية للعمل الحقيقي الفعلي الذي لا يبني واقعا جديدا فقط، وإنما يرمم أخطاء الماضي ويعيد عجلة التنمية الوطنية إلى مسارها الأنسب، والقادر على تحقيق تطلعات الناس، وإشاعة مناخ من الأمن الوطني الذي يمثل نتاجا طبيعيا للاستقرار والنماء والرفاه المعيشي.

وزارة العمل، وزارة التعليم العالي، وزارة التربية والتعليم، وزارة الصحة، والكثير من الوزارات التي تؤدي مهام تنموية تقوم على ما يلي: توفير المزيد من الخيارات التي تبني حياة الأفراد، والتي يختارها كل فرد بما يلائم رؤيته وتوجهه وقناعاته، على مستوى الدراسة والعمل والتنقل ومراعاة مختلف الحقوق ليبدأ هنا دور الفرد، الذي يجد نفسه قد تحول إلى قيمة مدنية على المستوى السلوكي وعلى مستوى قدرته على بناء ذاته. أما السلوك والأخلاق فالمهم فيهما هي تلك التي تؤثر على الآخرين وتؤذيهم، وليست تلك التي تخالف وجهات نظر أناس آخرين، ويصبح الفصل هنا للنظام والقانون.

كل الوزارات السعودية ما لم تستوعب أن دورها التنموي يتمثل أولا في توفير كل الخيارات التنموية في النطاق الذي يمثل اختصاصها ستجد أنها في نهاية الأمر الأقل تأثيرا والأقل نجاحا وهو ما يحتم عليها أن تجعل معيارها الأبرز هو الجدوى والتنوع.

تصطدم النهضة السعودية الاقتصادية غالبا بالآراء المختلطة بالأعراف، ذلك أن النهضة الاقتصادية لا يمكن أولا التفصيل فيها بين رجل وامرأة، أو بين منطقة ومنطقة، أو بين قطاع وقطاع، إضافة إلى أنها تجعل من قيمة الفرد محورا أولا في كل معادلاتها، وهنا تبدأ أبرز لحظات المواجهة والممانعة، أيضا، فالممانعة تتطلع دائما لدور المشرف والموجه، وهو أمر قد يكون إيجابيا إذا ما ظل في حيز الرأي الفقهي، الذي يخضع للنقاش والتداول مثله مثل الرأي الثقافي والاجتماعي والسياسي، لكن الأزمة حينما يتحول ذلك الموقف إلى ذراع ميداني يمكن أن يتدخل واقعا وعلى الأرض، لمنع ما يراه مخالفا لرؤيته وقناعته الفقهية، ولا يحدث ذلك إلا من خلال مؤسسة ذات طابع رسمي، تجد نفسها في لحظة تحتكم إلى بعدها الفقهي الأوحد على حسابات الأبعاد الفقهية المختلف فيها، وعلى حسابات التنمية والبناء وحقوق الأفراد وحرياتهم.

لا تشهد كل مؤسساتنا السعودية أي صدام أو اختلاف فيما بينها إلا على مستوى بعض الأنظمة والتوجهات الإدارية، ولأن الهدف واحد سرعان ما يتم التوصل إلى رؤى إدارية وتنظيمية مشتركة، لكن المشكلة حين يصبح ذلك التصادم ميدانيا، تستطيع فيه مؤسسة ما أن تنزل إلى الشارع للتأثير والإرباك لقرار ورؤية مؤسسة أخرى، لا انطلاقا من خلاف في الأنظمة والتشريعات، إنما انطلاقا مما تراه مخالفة فقهية وشرعية، أو يراه بعض أفرادها من ذوي السلطة الميدانية كذلك.

تدرك الدولة وهي توزع مجالات العمل الوطني بين مختلف الوزارات اختصاص كل وزارة، وفي ذات الوقت اشتراك كل الوزارات في جملة من الأهداف الوطنية الكبرى، ومع أن المسؤولين الكبار في وزارات الدولة جميعها يتفقون على تلك الأهداف، إلا أن لدى بعض المؤسسات أفرادا لا يحتكمون إلى ذات المنطق التنموي بل إلى منطق فقهي وخاص أحيانا.

الآن ماذا يمكن أن تفعل امرأة توظفت في محل لبيع الملابس النسائية وبقرار حكومي وبرعاية من الوزارة المختصة، ماذا يمكن أن تفعل أمام مجتهد من الهيئة يرى في عملها منكرا، أو يطلب منها مغادرة المحل مثلا، إلى من ستحتكم، فهي ترى أن التي وظفتها هي (الحكومة) وأن الذي يحتج على عملها أيضا فرد يمثل جهازا حكوميا. فما العمل؟

القضية أبعد من مجرد تنسيق إداري، إنها تتعلق برؤية تلك المؤسسات، رؤيتها للتنمية، ورؤيتها للأفراد والحقوق، بل ورؤيتها للدولة الحديثة.