ربما تتفقون معي أن هناك أناسا مزعجين في حياتنا؛ هؤلاء لا شغل لديهم سوى "الرغي" أو "الثرثرة" و"القيل والقال" وليست لديهم تسلية سوى"اللت والعجن" في الفراغ؛ ولهذا شركات الاتصالات المتنقلة والثابتة تكسب "ذهب" من خلف هؤلاء. إنهم باختصار متفرغون لـ"كثرة الكلام" فلا منجز لديهم سوى ذلك، سواء كان عن أنفسهم "بشيء من التهويل" أو عن الآخرين وأخبارهم وأخلاقهم وأعراضهم من قبيل إحساسهم بثقافة الوصاية لتثبيت أنهم وحدهم الذين ينتمون للمدينة الفاضلة! والمشكلة تزداد حين يحسب هؤلاء الثرثارون "عمال على بطال" أن الآخرين مثلهم ليس لديهم عمل أو متفرغون لسماعهم حتى لو كانت علاقتك بهم سطحية؛ فتتفاجأ بأنهم لا يتحرجون في أن يسردوا عليك قصة حياتهم منذ ولادتهم ويتصلوا بك مرة واثنتين وعشر، في أي وقت كان صباحا أو مساء؛ دون "إحم أو دستور" ودون اختيار وقت مناسب لثرثرتهم؛ لأنك كاتب أو شخصية عامة يعتقدون أنك تعمل في "سنترال" وعليك استقبال أحاديثهم حول أنفسهم أو مشاكلهم أو الآخرين بما يقتاتون عليه من شائعات وأخبار وإلا تتحول بعد ذلك في أحاديثهم لإنسان مغرور؛ لا تبالي بالآخرين ولا بهمومهم وتصبح مادة دسمة لثرثرة أخرى عند الآخرين.
لا شكّ أنّ كثرة الكلام كصفة هي عادة أشبه بالداء والبلاء لأصحابها؛ وبالطبع هذا الداء يصنعه فراغ الوقت وإفلاس العقل ونقص النفس وشعورها بالدونية؛ فهم لا يجيدون الإنجاز ولا ينجزون شيئا؛ ولهذا "شهوة الكلام" لديهم في حد ذاتها تمثل"إنجازا" و"تفريغا " لطاقة نفسية كونهم يثرثرون كي يعبروا عن وجودهم الحي "صوتيا"، وهكذا حين تضع الأقدار أمامك "ثرثارا" فأنت ببساطة " تسمع جعجعة ولا ترى طحنا"، وفي حياتنا مع الأسف الشديد كُثر ممن هم مصابون بالثرثرة "عمال على بطال" وكأنهم بهذه "الجعجعة" يصنعون "أصناما لأنفسهم" فلا يسيطرون على كلامهم ولا يعرفون له نهاية من بداية، ولا يملون من تكرار ذات الحديث مرات ومرات دون كلل ولا ملل، لأنهم لا يعرفون مع من تحدثوا به قبلك ولا بعدك! إنهُم لا يملكون إلا "الكلام" ـ ومع الأسف ـ بعض هؤلاء "الكلامنجية" تتجاوز ثرثرتهم لصناعة "الثرثرة" فهم يستمتعون بنشر الشائعات ويستلذون "نفسيا" بهدم الآخرين حين يحاولون استنقاص منجزات غيرهم أو تصيد أخطاء الآخرين، معتبرين أن ما يفعلونه نقد وتعبير عن رأي حر فيما هو في العادة ليس سوى نتيجة عيوب نفسية ومرضية داخلهم.
أخيرا؛ هؤلاء "الكلامنجية" لا يدركون أنهم "مزعجون" وعليهم إصلاح "عيبهم" بإنجاز فعلي لا إنجاز صوتي؛ بدلا من إصابة الآخرين بالملل من ثرثرة فارغة؛ فكما يقال"إذا تمّ العقل نقص الكلام"، فهذه المقولة تفيد بأن الكيّس العاقل الذي يمتلئ حكمة وفكرا هو الذي يحسب جيدا عدد كلماته ويزنها بميزان العقل قبل البوح! وقانا الله وإياكم من شر الثرثارين و"الكلامنجية".