على رأس السنة الجديدة، تبرز الموضة الإعلامية في سرد الأحداث التي حفلت بها أشهر العام المدفون في التاريخ. ومن الخديعة الكبرى للنفس أن ننظر للأحداث الكبرى التي سيطرت على نشرات الأخبار ثم نغفل ما هو أهم من القصص والوقائع التي تؤثر في حياتنا الخاصة ومستوى معيشتنا الأسرية الخالصة. وشدني مساء ما قبل البارحة أن المواطن السويدي يفصح لأهله عند منتصف المساء وفي الدقائق الفاصلة ما بين عامين عن أرقامه المالية بكشف حساب بنكي يوضح النسب، سالبة أم موجبة، كانت في الرصيد ما بين عامين. المواطن في الغرب يقيِّم الأحداث تبعاً لإرهاصات العام عليه وتأثيرها على نسق حياته. شخصياً، أعتقد أن هروب العاملة المنزلية أكثر تأثيراً من خروج الرئيس زين العابدين بن علي من بلده في ليلة ثورية ساخنة. هروب العاملة المنزلية يعني هروب ما يقارب العشرين ألف ريال في أرقام التكلفة على الجيب جراء عمليتي استقدام. خسارة خمسين ألف ريال في سوق الأسهم أشد وطأة من انهيار النظام المالي الأوروبي الذي تبخرت منه خمسون تريليون يورو في ظرف سبعة أشهر. مصرع جاري العربي السوري وزوجته في حادث حفرة على الطريق العام أكثر مأساوية عندي من مصرع القذافي وبعض أبنائه مهما حاولت نشرات الأخبار أن تسليني كي أنسى القصة المأساوية الأهم. فتح المستوصف الحكومي في الحي السكني أهم لدي وأكثر تأثيراً في حياتي من إعادة افتتاح الجامعات العربية المقفلة في العواصم الثورية العربية. التفتيش في ملفات الفساد المتراكمة في إدارة حكومية ما ونشر غسيلها أكثر أهمية في حياتي من لجنة التفتيش الدولية على المفاعلات النووية الإيرانية. مرور سيارة الأمن من أمام منزلي أكثر أهمية من لجان المراقبين التي أرسلتها الجامعة العربية إلى العاصمة السورية. والخلاصة أن قدر الإنسان العربي أنه ظل مشغولاً بكل الأحداث المأساوية الكبرى كي ينسى أحداثه الشخصية المهمة. قصص العام المنصرم هي تلك التي تؤثر في حياتي وحياة أطفالي لا تلك التي تفرضها علينا نشرات الأخبار وهنا أنتهي بالسؤال:
كيف أنت ما بين عامين؟