انفض سامر ملتقى المثقفين السعوديين الثاني وخلف بعده بعض العطر وكثيرا من غبار الأسئلة والانتقادات والهجوم المبرر وغير المبرر، فكثير ممن حضروا تحدثوا عن ملاحظات تنظيمية ليست بتلك الأهمية في نظري لأنها أمور قد تحدث في أي فعالية. لكن الأهم هو الانتقادات الجادة التي وجهت إلى محاور المؤتمر "المكررة جدا"، فهي تقع في إطار النقد الموضوعي الذي يجب أن يحترم وأن يؤخذ بروح متسامحة ومتفاعلة، لأن المشكلة الحقيقية التي أثرت على الحضور والتفاعل هي الموضوعات المطروحة التي سبق أن طرحت في الملتقى السابق ولم يتم بشأن كثير منها أي شيء عملي، فخرج الملتقيان (الأول والثاني) بالتوصيات نفسها التي من المحتمل جدا أن تلقى المصير نفسه!. ولعل أصدق الانتقادات والملاحظات وأنقاها من (الأهواء) هي تلك التي صدرت عن بعض الحاضرين الذي دعوا وحضروا وشاركوا سواء بأوراق عمل أو بمداخلات في صلب الموضوعات المناقشة، وهي الجديرة فعلا بالأخذ بها وتفعيل ما يمكن تفعيله منها.

أما الوجه الآخر وهو السلبي - للأسف - فيما ظهر من جدالات حول الملتقى فيتركز أغلبه فيمن دُعي ومن لم يدع!

فمع أن أسئلة آلية الدعوات وكيف وزعت وما هي مقاييسها أسئلة مشروعة جدا، وإجاباتها قد تكشف عن أي محسوبيات أو مجاملات، إلا أنها (الأسئلة) ارتبطت لدى كثير ممن وجهوها لوزارة الثقافة والإعلام بـ "الأنا" والطلب الشخصي. فمن المذهل أن تجد من يعارك ويتهم منظمي الملتقى - حد الإفراط - وعبر مختلف وسائل الإعلام، ليس لشيء سوى أنه لم يدع للملتقى بصفته (مثقفا مهما).. يقولها بصريح العبارة دون أي مواربة! فتحول النقد المشروع إلى همّ شخصي لا يتعدى المقولة المعروفة في الأوساط الرياضية (لعبوني وإلا بخرب)! وهذا ما يضعف أي نقد أو تطلع للتطوير الحقيقي، بل إن هذا النقد (الشخصي) أسهل بكثير على مسؤولي الثقافة من أي نقد جاد ينطلق من المصلحة العامة، حيث سيكون ردهم المباشر وبالعامية البسيطة (خلاص بندعيك في أقرب فرصة.. وإذا بغيت رحلة خارجية لتمثيل البلد فآمر تدلل!). وتنتهي المساءلة هنا، ولحظتها أجزم أن هذا الحل سيحول "المهاجم الشرس" للوزارة إلى ناظم لقصائد مديح فيها، تضاهي ما كتبه "المتنبي" والنماذج كثيرة جدا.

أما الرد على النقد الهادف للتصحيح وتطوير الأداء، فإنه أصعب بكثير، لأنه يحتاج إلى عمل متواصل وجهد مضاعف، وكوادر كثيرة مؤهلة للعمل الثقافي، وهو ما تحتاجه وزارة الثقافة والإعلام بجميع قطاعاتها.