" اللي ما يُبغى بنته تنضرب يسجلها بمدرسة خاصة" قالتها إحدى مديرات المدارس الحكومية لوالدة إحدى الطالبات في الصف الرابع الابتدائي؛ بعد شكوى صفع معلمتها لها على وجهها؛ والسبب كما أخبرني والدها علي الشهراني (أكاديمي) أنها نسيت حقيبة التفصيل فقط؛ ولم تكتف بذلك بل جعلت الطفلة تقف حصتين كاملتين؛ والجيد أن ولي أمرها توجه بشكوى إلى مكتب إدارة التربية والتعليم بالمنطقة عما حصل لطفلته التي غدت تكره "المدرسة"؛ وبعد ثلاثة أشهر من مراجعاته انتهى بلفت نظر المعلمة؛ ولا أعلم لماذا ثلاثة أشهر! وكيف تم تجاهل تعزيز نفسية الطفلة تجاه المدرسة بعد إهانة كرامتها!

ومنذ أسبوعين تقريبا قامت مديرة مدرسة ومعلمة وفراشة في جازان بتعرية طالبة بالكامل في دورات المياه لتفتيشها بحثا عن كاميرا؛ ويأتي مدرس آخر "سادي" بتأديب طالب لديه وضربه بسلك كهرباء إلى آخر الممارسات المؤسفة التي يمكن وصفها بعبث تربوي مع من وضعوا أمانة بين أيديهم؛ ورحم الله معلمي ومعلمات أيام زمان؛ صحيح أننا ضُربنا على أيديهم؛ ولكن كانت بطرق تربوية وفيها من الرحمة ما لم ندركه إلا مؤخرا؛ لا بوسائل "سادية" كما يفعلون اليوم؛ وكأنهم ينفسون عن غضبهم ومشاكلهم الأسرية وأمراضهم النفسية في هذه الأجساد الصغيرة أمامهم.

إن صغارنا في المرحلة الابتدائية على الأخص يحتاجون من العطف والرحمة ما يتناسب مع مرحلتهم العمرية التأسيسية؛ فإذا الرسول الكريم عليه السلام أمر بضربهم على الصلاة لعشر؛ فكيف تمارس هذه "السادية" مع أعمار أصغر ولأسباب تافهة!؟ ولهذا أستغرب عبارة هذه المديرة ببداية المقال؛ وإن صدقت فيما قالته؛ فهل يعني أن المدارس الحكومية وُجدت كي يُضرب صغارنا أم ليتعلموا الأخلاق والسلوك الإنساني المحترم!؟ وهل على أولياء الأمور أن يسجلوا أبناءهم في مدارس "خاصة" لأن المدارس الحكومية خارج النظام؟! بل حتى المدارس الخاصة يبدو أنها خارج النظام بما نقلته أول من أمس جريدة عكاظ في مساومة معلم وافد لطلابه في المتوسطة بتقبيل قدميه ورأسه لتحسين درجاتهم في مادة الرياضيات وإعطائهم أسئلة الاختبار!

وصحيح أن كثيرا من المعلمين والمعلمات يشتكون من سوء أدب بعض الطلاب والطالبات المراهقين في المرحلتين المتوسطة والثانوية؛ ولكن هذه بضاعة الابتدائية تُرد إليهم؛ وكيف لا ؟! فمن الطبيعي أن ينتقلوا للمرحلة التالية وأنفسهم تمتلئ بحب الانتقام والكراهية لأمثالهم ممن لم يحترموا طفولتهم واستغلوها في التنفيس" السادي" غير التربوي! ولهذا أعتقد أن على وزارة التربية والتعليم القيام بفرز سلة معلميها ومعلماتها في "المرحلة الابتدائية" وتطوير مقوماتهم التربوية؛ فهذه المرحلة هي مرحلة بناء علمي وخلقي وإنساني؛ كون الطفل يسجل كل شيء في ذاكرته ويختزنه في نفسيته لتفرزه سلوكياته مستقبلا؛ ولهذا نحتاج لمن يتصف بالكفاءة من التربويين المتخصصين وكل في مجاله؛ لا مجرد "زوائد" تعليمية من هنا وهناك؛ يصعب مضغها في ميادين العمل الأخرى؛ فيتم ترحيلها إلى مدارس هؤلاء الصغار ! المسألة ليست مسألة وظائف وراتب آخر الشهر؛ إنما أمانة بناء عقول ونفسيات سيوكل لأصحابها بناء المستقبل والوطن.