"رائد، نور، عبدالله"، ثلاثة أشقاء عراقيين، خرجوا من "أرض الرافدين"، قبل ثمان سنوات تحديداً، بعد دخول قوات "الاحتلال الأميركية"، إلى عاصمة الرشيد "بغداد"، في التاسع من أبريل عام 2003، ليستقر بهم الحال على "أراضي القسطنطينية"، بتركيا العثمانية.

"رائد"، الذي أسس في 2009 بمعية أشقائه شركة سياحية تخدم السياح العرب، القادمين للتمتع بالأجواء التركية، تعد اليوم الأبرز، وتحمل لقب عائلتهم "الطيار"، في أهم شوارع إسطنبول في المال والأعمال يسمى "عسمانبي".

الأشقاء الثلاثة أجادوا بعد سنوات وجهد اللغة التركية المحلية، كما تقول الشقيقة الصغرى "نور"، التي كانت تعمل صحفية في العراق، وخرجت بعد اشتداد خنق المليشيات المسلحة، وخلخلة الوضع الأمني.

فوق الجسر المعلق الكبير الذي يربط القسم الأوروبي بالآسيوي في إسطنبول، كان رائد يتحدث بلغة تحمل "علامات ألم على وطنه الأم"، إلا أنه يحاول بين جنبات حديثه أن يكون مختلفا عن بقية إخوانه، حيث كان يقول "لست حزيناً على فراقي للعرق، وأنا أشعر بأمان هنا في هذا البلد – في إشارة إلى تركيا-"، ليؤكد بعدها في لغة جازمة هذه المرة "لن أعود إلى العراق إطلاقاً، بدأنا هنا حياة جديدة، وأسسنا مشاريعنا، ونعيش حياة هادئة ملؤها بزنس الأعمال"، على حد قول رائد.

في يوم دخول القوات الأميركية لبغداد يتذكر رائد، وهو يقف على السطوح إطلاق الأميركان عليه ثلاثة صواريخ، اعتقاداً منها بأنه أحد أعضاء المقاومة العراقية، إلا أنه نجا بأعجوبة، كما يقول.

رائد أكد أنه وجميع أفراد أسرته الكبيرة من أعمامه وأخواله استقروا في تركيا، كأرض مهجر جديدة لهم، وأن عائلتهم يحملون إقامات نظامية، والتي من الصعوبة استخراجها للإجراءات الإدارية الصعبة الحكومية، وقريباً سيراجعون دائرة النفوس، حيث استحقوا كما أبلغتهم الجهات الرسمية حصولهم على الجنسية التركية بديلاً عن الجنسية الأصلية العراقية.

عمل "رائد" مصوراً صحفياً تلفزيونياً يقدم خدماته لقنوات التلفزة الإخبارية نظير مكافآت مالية يحددها هو، إلا أن خط عمله المهني لم يتوافق، أو "لم يكن له سبيل" في تركيا، التي تعتبر وسائل الإعلام فيها من أدوات التأثير المهمة على خارطة المجتمع الأهلي المحلي.

"الانتخابات التركية" القادمة في يونيو المقبل، أضحت ضمن اهتمامات الإخوة كدليل على "الوطن الجديد لهم وأوضاعه السياسية"، ويتفاءلون كثيراً باحتمالية فوز حزب "العدالة والتنمية"، الذي يتزعمه رئيس الوزارء الحالي رجب طيب إردوغان، الذي قال عنه رائد بأنه "لم يغير فقط اقتصاد تركيا بل حتى نفوس الأتراك أيضاً".

أما الشقيق الأوسط "عبد الله"، فكان يتحدث في مكتب عائلته في ساعة متأخرة من ليلة الأحد، حيث يحرص الأتراك على اغتنام هذه الليلة في التسلية باعتبارها إجازة رسمية، وهو لا يزال ساهراً في مكتبه يتابع أعمال شركتهم، وترتيب زيارات المجموعات السياحية الخليجية خاصة، كان يحكي "خروج الكثيرين من العراقيين من البلد للبحث عن حياة جديدة أو وطن جديد يبدؤون فيه من جديد".

عائلة "الطيار"، لم يكن لها إبان النظام السابق في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين أي انتماءات سياسية أو عسكرية، بل كانت بعيدة تمام البعد، عن تلك الأجواء إلا أن ذلك لم يكن كافياً لبقائها داخل الوطن، وأحد الأشقاء كان يشير إلى "معلومة تتناقلها دوماً وسائل الإعلام"، بأن "تهجير الكفاءات العراقية"، كان على رأس أولويات أجندة الولايات المتحدة الأميركية، والموساد الإسرائيلي، والمخابرات الإيرانية، ومن لم يخرج "كان القتل من نصيبه".